🖋️ إن رسالة الإسلام التي أرسل بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تحمل في طياتها معانٍ سامية ومبادئ رفيعة ومن تلكم المعاني “التسامح” والتي أشار إليها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: ” إني أرسلت بحنيفية سمحة”.
أي : بعثت بالشريعة المائلة عن كل دين باطل.
قال الإمام ابن القيم – رحمه اللّه – في كتابه “إغاثة اللهفان” (٢٩٣/١): “جمع بين كونها حنيفيةً ، وكونها سمحةً ، فهي حنيفة في التوحيد سمحة في العمل”.
وقد جاء الإسلام بالحب والتسامح والصفح ،فهو دين التسامح والسلام ، قيل لرسول الله: يا نبي الله، أي العمل أفضل؟ قال: «الايمان بالله والتصديق به والجهاد في سبيله». قال أريد أهون من ذلك يا رسول الله. قال: “السماحة والصبر ” .
ويعد التسامح أحد الفضائل الإنسانية التي ترتقي بالنفس البشرية إلى مرتبة سامية تتجلى بالعفو والاحترام ، والتسامح في دين الإسلام بين المسلمين أمر معروف وواضح، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزًا، لقوله تعالى :{والذين إذا ما غضبوا هم يغفرون }
أي : سجيتهم [ وخلقهم وطبعهم ] تقتضي الصفح والعفو عن الناس ، ليس سجيتهم الانتقام من الناس .
ومن صفات المتسامحين :
-كظم الغيظ : هو خلق عظيم وهو من مكارم الأخلاق، ويؤدي لثمرة عظيمة في حياة الناس والتحامهم وتآلفهم وانخراطهم في أعمالهم وبين بعضهم في مجتمعاتهم وأسرهم،
فمن كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء “
وكنت إذا الصَّديق أراد غَيْظي
وشرَّقني على ظمأ بريقي
غفرت ذنوبه وكَظَمت غَيْظي
مخافة أن أعيش بلا صديق
فيجب ان يعرف المسلم الأجر المترتِّب على كَظْم الغَيْظ والعفو عن المخطئين، ويستشعر أنَّه بذلك يطلب الأجر والثَّواب من عند الله تبارك وتعالى.
-العفو وعدم الانتقام : فمن الواجب على المسلم أن يعفو ويصفح ويتجاوز عن أخطاء الغير لقوله تعالى : {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. فتنازل المسلم لأخيه المسلم عن حقه مما يؤجر عليه عند الله ويزداد به في الدنيا والآخرة .
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما انتقم لنفسه قط ، إلا أن تنتهك حرمات الله .
-الإحسان لمن أساء : فإذا أَساء إليك أعداؤك،بالقول والفعل،فلا تقابلهم بالإِسَاءة قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
فإن الموفق لمقابلة الإساءة بالإحسان قد منحه الله صبراً على ما تكرهه النفس، وذلك لإجبارها على ما يحبُّه الله ويرضاه.
-الحلم والسكينة والوقار : وهي صفات عظيمة من صفات المتسامحين والأولياء والمتقين وهي زينة للمرء المسلم وحجاب له من الآفات وسبب لمحبة الله للعبد ورضوانه عليه وفيها من كمال العقل وسعة الصدر وامتلاك النفس وضبطها ما لا يخفى أثره ولا تجحد عواقبه، فبهذه الصفات يؤلف بين القلوب وتنشر المحبة بين الناس وتزيل العداوة من النفوس ويمنع الحسد والشحناء من الصدور، ويستحق صاحبها الدرجات العلى والجزاء الأوفى، قال الحسن رحمه الله في تفسير قول الله تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} حلماء إن جُهل عليهم لم يجهلوا.
قال الإمام ابن القيم – رحمه اللّه – في كتابه “إعلام الموقعين” (١٠٧/٦) :
“فليس صاحب العلم والفتيا إلى شيء أحوج منه إلى الحلم، والسكينة، والوقار ، فإنها كسوة علمه ، وجماله ، وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس”.
من لي بإنسان إذا أغضبته
وجهلت كان الحلم رد جوابه
نماذج من تسامح الانبياء :
١- إمام المتسامحين نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم كان نموذجاً حياً للتسامح والعفو والمغفرة ففي يوم فتح مكة قال رسول الله لقوم مكة الذين آذوه وحاربوه وأخرجوه من داره: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
٢- عفوُ نبيِّ اللَّهِ يوسُفَ عليه السَّلامُ عن إخوتِه:
قال اللَّهُ تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }.
وهذه صفات أنبياء الله ورسله عليهم السلام مع قومهم وأهلهم وكل من ظلمهم أو اعتدى عليهم.
يضيقُ بنا الزمانُ ولا نبالي
ونضحكُ والقلوبُ لها عَوِيلُ
لعَمْرُ اللهِ لا نشكو حياءً
ولكن دَأْبُنا الصَّبْرُ الجميلُ
طبيعتُنا التسامُحُ والتغاضي
ولو شِـئْـنا كذلك لا نُقِيلُ
فيجب علينا كمسلمين أن نجعل من التسامح والعفو شعار لنا نرفعه في وجه كل من ظلمنا أو اعتدى علينا أو أساء لنا بفعل أو قول.
وأن ندرك أيضاً بأنه كلما ما زادت صفة التسامح عند المسلم قل توتره وقلقه وشعر بالهدوء النفسي والطمأنينة ، وقل خصومه وأعداؤه ، وكثر محبيه .
🔘 إضاءة :
التـسامح هو هديـتك للآخـرين أما النـسيان فـهو هديـتك لنـفسك.
مقالات سابقة للكاتب