أثناء نشأتي وفي بداية اكتشاف عالمي الخاص وجدت مشاعر الخوف تحيط بي من كل مكان.
كان والدي بطيبة قلب ودونما يشعر كان يعنفني لأداء بعض المهام كرعاية الغنم والاعتناء بمزارعنا.
كان لا يقبل الخطأ أبداً ولا يتوانى عند أي مخالفة أن يضربني بيده ، أو بأي أداة متوفرة كأغصان الرمان المرنة وكنت لا أملك سوى البكاء ، وأثناء دخولي للمدرسة كنت أحلم بأنني سأدخل عالم الفرح والسعادة ، فكانت الصدمة الكبرى حيث كان المعلمون الأوائل يعتمدون على الضرب والإهانة في العقاب.
كان الضرب ضربا مبرحا جداً ، ومؤلما جداً ؛ هذا غير الأذى اللفظى الذي يسبر أغوار الروح فيزرع الشك وعدم الثقة ويعزز مشاعر النقص وعدم التقدير والإحترام.
من يعرفني عن كثب طيلة أيام دراستي فأنني كنت من الطلبة الأوائل المتفوقين وإن لعلمي بحالي كنت أعرف أنه لتجنب الضرب المبرح من قبل المعلمين فإنه ليس هناك خيار أمامي سوى الاجتهاد في الدراسة والتفوق حتى أتجنب ذلك الضرب والإهانة.
الخوف قادني بطريقة غير مباشرة لأن أكون طالباً متفوقاً وليس حب التعلم والمعرفة .
كنت أشاهد طيلة كل سنوات الدراسة حتى نهاية المرحلة الثانوية مشاهد التعنيف والتعذيب الذي كان يقوم به المعلمون ؛ تلك المشاهد ما زالت محفورة في ذاكرتي ومغروسة في أعمق مشاعري لم أستطع نسيانها أبداً.
نعم التعليم فيما يخص احترام حقوق الطلبة الآن تغير للأفضل حيث يجرّم تعنيف وضرب الطلاب من قبل المعلمين ، ووضع مقابل ذلك قوانين رادعة ، ولكني أتكلم عن التعليم في الفترة الماضية قبل ثلاثون عاماً مضت تقريباً ، والجدير بالذكر أن حدثت حالات تسرُّب كثيرة للطلاب وانسحابهم من العملية التعليمية وحرمانهم من التعلم بسبب التعذيب والإهانة التي كانوا يتعرضون لها في كل يوم دراسي.
عندما دخلت الجامعة كنت طالبا مُجدا متفوقا في أجواء تعليمية محفزة وسليمة في جامعة الملك سعود العريقة ، وربما هذا التفوق كان من مكتسبات الماضي ؛ احتفظت به لأنه كان يبعث في النفس السعادة وروح التحدي فالجميع يريد نشوة الانتصار والتميز والتفوق على الأقران.
المتعب والمرهق في هذه المعادلة أن الخوف الذي تعرضت له في طفولتي بقي له آثار جانبية ؛ فعندما أواجه أمرا ما أو عقبة أو مشكلة أو حتى تحديا بسيطا يقفز في ذهني فكرة الخوف ويتعاظم في مشاعري وقع الخوف فأقف عاجزاً حائراً ، أحاول التغلب على هذه العادة السيئة والمعرقلة لتقدمي في كثير من جوانب حياتي إلا أنني أبوء بالفشل.
عادة لعينة تقيدني أتمنى أن تختفي تمامًا من حياتي.
ختاماً عزيزي القارئ فإنني أريد أن أبيِّن في هذه المقالة مدى بشاعة الخوف الذي يتعرض له الطفل في سن مبكر وأنه يؤذي نموه النفسي السليم حتى في أمور العبادة يجب أن يكون التعليم بالترغيب والحب فهذا أفضل بكثير من التعليم بزرع فكرة الخوف في نفس الطفل فيعيش معاقا نفسياً ولا يستطيع التطور والتكيف مع الحياة.
الحب شعور جميل جداً يجعل الإنسان يقدم على الحياة بصدر رحب وبأمل واندفاع للحياة ، حيث تكون المبررات والمسوغات للنجاح فطرية وذات معنى وهدف سامي ، مقارنة بالخوف الذي يشوّه جمال الروح الفطرية للطفل.
وهذا لا يمنع أنه عندما يبلغ الفرد النضج يستطيع أن يوازن بين الخوف والحب فهما جناحان لا غنى عنهما سواء في السير إلى الله أو في السير في دروب الحياة.
نوار بن دهري
[email protected]
مقالات سابقة للكاتب