التربية بالخوف

أثناء نشأتي وفي بداية اكتشاف عالمي الخاص وجدت مشاعر الخوف تحيط بي من كل مكان.

كان والدي بطيبة قلب ودونما يشعر كان يعنفني لأداء بعض المهام كرعاية الغنم والاعتناء بمزارعنا.

كان لا يقبل الخطأ أبداً ولا يتوانى عند أي مخالفة أن يضربني بيده ، أو بأي أداة متوفرة كأغصان الرمان المرنة وكنت لا أملك سوى البكاء ، وأثناء دخولي للمدرسة كنت أحلم بأنني سأدخل عالم الفرح والسعادة ، فكانت الصدمة الكبرى حيث كان المعلمون الأوائل يعتمدون على الضرب والإهانة في العقاب.

كان الضرب ضربا مبرحا جداً ، ومؤلما جداً ؛ هذا غير الأذى اللفظى الذي يسبر أغوار الروح فيزرع الشك وعدم الثقة ويعزز مشاعر النقص وعدم التقدير والإحترام.

من يعرفني عن كثب طيلة أيام دراستي فأنني كنت من الطلبة الأوائل المتفوقين وإن لعلمي بحالي كنت أعرف أنه لتجنب الضرب المبرح من قبل المعلمين فإنه ليس هناك خيار أمامي سوى الاجتهاد في الدراسة والتفوق حتى أتجنب ذلك الضرب والإهانة.

الخوف قادني بطريقة غير مباشرة لأن أكون طالباً متفوقاً وليس حب التعلم والمعرفة .

كنت أشاهد طيلة كل سنوات الدراسة حتى نهاية المرحلة الثانوية مشاهد التعنيف والتعذيب الذي كان يقوم به المعلمون ؛ تلك المشاهد ما زالت محفورة في ذاكرتي ومغروسة في أعمق مشاعري لم أستطع نسيانها أبداً.

نعم التعليم فيما يخص احترام حقوق الطلبة الآن تغير للأفضل حيث يجرّم تعنيف وضرب الطلاب من قبل المعلمين ، ووضع مقابل ذلك قوانين رادعة ، ولكني أتكلم عن التعليم في الفترة الماضية قبل ثلاثون عاماً مضت تقريباً ، والجدير بالذكر أن حدثت حالات تسرُّب كثيرة للطلاب وانسحابهم من العملية التعليمية وحرمانهم من التعلم بسبب التعذيب والإهانة التي كانوا يتعرضون لها في كل يوم دراسي.

عندما دخلت الجامعة كنت طالبا مُجدا متفوقا في أجواء تعليمية محفزة وسليمة في جامعة الملك سعود العريقة ، وربما هذا التفوق كان من مكتسبات الماضي ؛ احتفظت به لأنه كان يبعث في النفس السعادة وروح التحدي فالجميع يريد نشوة الانتصار والتميز والتفوق على الأقران.

المتعب والمرهق في هذه المعادلة أن الخوف الذي تعرضت له في طفولتي بقي له آثار جانبية ؛ فعندما أواجه أمرا ما أو عقبة أو مشكلة أو حتى تحديا بسيطا يقفز في ذهني فكرة الخوف ويتعاظم في مشاعري وقع الخوف فأقف عاجزاً حائراً ، أحاول التغلب على هذه العادة السيئة والمعرقلة لتقدمي في كثير من جوانب حياتي إلا أنني أبوء بالفشل.

عادة لعينة تقيدني أتمنى أن تختفي تمامًا من حياتي.

ختاماً عزيزي القارئ فإنني أريد أن أبيِّن في هذه المقالة مدى بشاعة الخوف الذي يتعرض له الطفل في سن مبكر وأنه يؤذي نموه النفسي السليم حتى في أمور العبادة يجب أن يكون التعليم بالترغيب والحب فهذا أفضل بكثير من التعليم بزرع فكرة الخوف في نفس الطفل فيعيش معاقا نفسياً ولا يستطيع التطور والتكيف مع الحياة.

الحب شعور جميل جداً يجعل الإنسان يقدم على الحياة بصدر رحب وبأمل واندفاع للحياة ، حيث تكون المبررات والمسوغات للنجاح فطرية وذات معنى وهدف سامي ، مقارنة بالخوف الذي يشوّه جمال الروح الفطرية للطفل.

وهذا لا يمنع أنه عندما يبلغ الفرد النضج يستطيع أن يوازن بين الخوف والحب فهما جناحان لا غنى عنهما سواء في السير إلى الله أو في السير في دروب الحياة.

 

نوار بن دهري
[email protected]

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “التربية بالخوف

د ايمن عبد العزيز

الدوله تعي تماما ان التربيه ثم التعليم الله سبحانه وتعالي امهل فرعون الذي قال انا ربكم الاعلي أربعون عاما وكانت ستدركه رحمه الله لو استغاث بالله الله قال للرسول عفا الله عنك لما اذنت لهم مجرد عتاب وسيدنا الخضر كان يقول لسيدنا موسي ألم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا وقال له هذا فراق ببني وبينك القصه معروفه سيدنا رسول الله قال للصحابي في غزوة احد القي سلاحك لمن ليس معه سلاح لم يعنفه الله سبحانه وتعالي امر سيدنا أيوب خذ بيك ضغثا فاضرب به ولا تحدث وقال رسول الله لسيدنا معن ان فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله الحلم والاناة وقال رسول الله انما الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم هذا الله في تعامله مع فرعون وتعامله مع الرسل اما الحلم او العتاب بعد التوجيه الإلهي الرشيد العزيز الحكيم
حتي الوالدين يجب الا ينتهجوا الترهيب والتعنيف
كل منا يتذكر المعلم والمعلمه التى أثرت فيه ايجابيا وسلبيا
اتفق علماء النفس عبر العصور ان من يأتي للعيادة النفسيه هم ضحايا……
جميع العقد النفسيه من فوبيا الي فصام الخ هو نتيجه تجارب مؤلمه في اي مرحله من مراحل العمر
اعتقد ان هؤلاء الذين اعترفوا عقيدة الضرب والتخويف والإرهاب اعتمدوها عن حسن نيه وليس عن سوء نيه

نشكر الدوله الرشيدة علي منع الضرب والتعنيف واستخدام الأساليب التربويه والنفسيه والاجتماعية للتعليم الحديث

أطيب المنى للجميع
حفظ الله المملكه المباركه ومليكها الحكيم الرشيد وسمو ولي عهدها الأمين دام عزك مملكه عظمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *