في عام 1840 تم عرض سلسلة من أربع لوحات للمرة الأولى بعنوان “رحلة الحياة” للفنان الأمريكي “توماس كول”
اللوحة الأولى: “الطفولة” تضمنت نهر ينساب عليه قارب مطلي بالذهب، وعلى متنه طفل مبتهج، وخلف الطفل على القارب يقف حارسه الطيب يمسك بذراع المقود، ويحّلق على مقربة منه كأبٍ يقظ.
فالطفولة عند “كول” هي زمن الأمان والتساؤل البريء.
اللوحة الثانية: الشباب، وهي الأبهج، وأروع اللوحات الأربع. الطفل صار شاباً في أول طريقه نحو الرشد. يقود القارب بنفسه الآن، غير أن حارسه الطيب يقف خلفه على الضفة القريبة.
يبرز في هذه اللوحة القصر العجيب المبني على سحابة، وهو يرمز إلى أحلام اليقظة عند الشباب، وتطلعاتهم نحو المجد والشهرة.
أما ثالث اللوحات، “الرجولة والرشد”، فيبدو فيها المشهد والقصة مختلفين تماماً، حيث يظهر رجل في منتصف العمر قوياً، لكنه يعقد يديه أمامه كأنه يتضرَّع.
هذه اللوحة ألوانها داكنة، العاصفة والغيوم تخفي خلفها مشهداً كئيباً وموحشاً.
أيضاً تبرز ثمّة منحدرات تظهر وتنكشف في الضوء المتوهج.
وهي عناصر ترمز إلى المتاعب التي هي السمة المميزة لمرحلة الرجولة.
ففي مرحلة الطفولة ليس ثمّة اهتمام بشيء، كما أنه لا يوجد تفكير باليأس في مرحلة الشباب.
اللوحة الرابعة، وهي آخر لوحات السلسلة، الشيخوخة، جاءت بلون داكن أيضاً، لكن الدرجة مختلفة. السماء داكنة، لكن العاصفة صافية.
المسافر الذي ظهر في لوحتي الشباب والرجولة صار أصلعاً بلحيةٍ بيضاء، ويجلس في القارب كالطفل في اللوحة الأولى، بدلاً من الوقوف كالشاب والرجل في اللوحتين الثانية والثالثة، بينما نرى الطيور تهبط عبر السحاب، كأنها ترحب به في محطته الأخيرة.
ومع الجمال المعنوي الذي حفلت به هذه اللوحات، ورمزيتها البديعة لكل مرحلة، إلَّا أن الملاحظ أن “كول” قد عَجَّل بالمسافر الذي رافقنا على متن القارب بقذفه في قبره بعد مرحلة الشيخوخة مباشرةً دون أن يُمكنه مِنْ الاستمتاع بشيخوخته، فكل مرحلة لها طابعها وجمالها الخاص بها.
وكان من الممكن إضافة لوحة خامسة تُضاف إلى سلسلة لوحات رحلة الحياة، تتشكل عناصرها فيما بينها لترمز إلى تضاؤل ضغوط الحياة بعد سن الخمسين، وتَحسُّن عملية ضبط العواطف، وانخفاض الشعور بالندم، وأن التقدم في العمر يجعلنا أكثر سعادةً ولطفاً حتى لو ضعُفتْ أجسادنا، كما أنه كلما تقدمنا في العمر؛ بات علينا تهيئة أنفسنا لدور مختلف في المجتمع؛ دورٌ يمكن يكون أقل ارتباطاً بالطموح والمنافسة، لكنه أكثر ارتباطاً بالتواصل والتراحم والتعاطف، كما أن من تجاوزوا سن الخمسين يحافظون على سعادتهم العاطفية، بل يعملون على تحسينها على الرغم من الخسارات البدنية والاجتماعية التي تحدث لهم، كما أنهم يصبحون أكثر رضا عن الحياة حتى إذا كانت قواهم تخونهم؛ فيغدون أكثر انسجاماً مع عذوبة الحياة أكثر من مرارتها عبر الطريقة التي يعيشون بها حياتهم اليومية.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي