🖋️ دخلت إليها عبر مخارجها ثم خرجت إلى مداخلها وبقيت أتلذذ بهذين الحرفين ،فمخرج الحاء أقصــى الحلق ،ومخرج الباء انطباق الشفتين وبقية الحروف تتبختر بين المخرجين عدا (الهمزة، الهاء) تحت مخرج الحاء، وكأن لفظة حب جمعت في بيتها كل الألفاظ الرقيقة والمعاني العذبة وأخرجت لفظ (اه) من بيتها حيث لا ألم في جوهر الحب وحقيقته؛ بل الألم في فراق من نحبّ أو مفارقة الحب بكل صوره للقلب فيكون صاحبه في ألم وقسوة وغلظة… !
ثم جاءت تتهادى اللفظة العميقة بصفاتها كدليل إرشاد في كيفيّة الحب، فهو مابين رخاوة وشدة، وهمس وجهر وكأنها تقول:
(لاتكن لينا فتعصر ولا يابسا فتكسر)، أي بلا إفراط ولا تفريط.
وإذا همس الحب في القلب فإما أن تسره النفس على عفة ونقاء، أو تجهر به ولعمري أن هذا أطهر، وأعف وأسلم للنفس..!
ولو أطلت التأمل في حُليّ اللفظ لوجدت حاء مضمومة وباء شدت حبالها فيا ويح قلب ضم محبة طاهرة ثم أفلتها ويا سعد قلب ضم محبة طاهرة وشد حبالها وأوثق العرى معها..!
وملخص القول ما قاله وأبدعه: ابن القيم “
الْحَاءَ” الَّتِي هِيَ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ، وَ “الْبَاءَ” الشَّفَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ نِهَايَتُهُ. فَلِلْحَاءِ الِابْتِدَاءُ، وَلِلْبَاءِ الِانْتِهَاءُ، وَهَذَا شَأْنُ الْمَحَبَّةِ وَتَعَلُّقُهَا بِالْمَحْبُوبِ. فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْهُ وَانْتِهَاءَهَا إِلَيْهِ. “
ثمّ لو تأملت وتأملت وتأملت….
لوجدت خفايا درر في أعماق الكلمات، و انسجام لا يكاد يكون في ألفاظ غير ألفاظ العربية!
هناك ألفاظ تشتم عبيرها فتسحرك لتعصرها وتستخلص عطرها لتصبح رائحة حبرك العطرة، وهناك ألفاظ تلمع وتبرق في عينيك، ثم تسحبك لأعماقها لتكون درة في قلبك..!
دولة الكناني
مقالات سابقة للكاتب