ربما ثواب رِضاك يُرضيّك!

ليست كل المشكلات التي نستطيع التعامل معها بواسطة سجل الأفكار، أو وضْع خطة عمل لحلّها.
فمثلاً، ربما نصبح في وضْعٍ صحيٍّ سيء للغاية، أو أننا نفقد إنساناً عزيزاً، أو نجدُّ أنفسنا في أزمةٍ كبيرة لا يمكن الخلاص منها.
ففي مثل هذه الحالات يمكن أن يساعدنا اكتساب توجه التَّقبُّل على التكيُّف والشعور بتحسُّن ولو بسيط مع مرور الوقت.
ولعلَّ تجارب الحياة كفيلة بأن تُعلِّمنا أنه ليس من الجيد أن نكتفي باستبدال الفكرة السلبية بأخرى إيجابية، وأن تقبُّل ظروف سلبية، أو حالات مزاجية مؤلمة من الممكن أن يُقيِّم جداراً نستند عليه لإحراز التقدُّم بطريقةٍ تُضفي معنىً نبيلاً على ظروف حزينة، ذلك أن التقبُّل يعني أننا ندرك الصعوبات التي نواجهها في الحياة، ونتوصَّل إلى طريقتنا الخاصّة لفهمها، ونكتشف كيفية التعايش معها بطرقٍ تتوافق مع قيمنا، ومع الأمور الأكثر أهميةً بالنسبة لنا.
فالتقبُّل الذي لا ينطوي على إصدار أحكام يجعلنا نُركّز على أفكارنا وحالاتنا المزاجية بطريقةٍ تَسيّرُ بنا إلى إيجاد إدارة جيدة لحياتنا.
ويمكن لقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يتناغم مع هذا السياق حين قال: “ستمضي أقدارك على كل حال، فاجعلها تمضي وأنت راضٍ عنها؛ فلربما ثواب رِضاك يُرضيّك”
إن التوجه الذهني للتقبُّل يسلك ثلاث مسارات:
الأول: ملاحظة أفكارنا ومشاعرنا دون إصدار أحكام عليها، أو محاولة تغييرها؛ ومن يسلك هذا المسار؛ يمكن له أن يُبْصُرَ أفكاره دون أن يكون صورةً لها.
الثاني: وضْع أفكارنا ومشاعرنا في منظورها الصحيح من خلال التفكير في الصورة الأشمل.
فبدلاً من التركيز على الأجزاء السيئة في أي تجربة، يمكنك محاولة تَلَمُّس الجوانب المفيدة من تلك التجربة حتى وإن كانت ضئيلة.
وهذا من شأنه إعادة التوازن لنظرتك، وتقبُّل الأجزاء السلبية في الوقت الذي يمنحك القدرة على الاستمتاع ببقية تجربتك وتقديرها بشكلٍ جيد.
الثالث: ربْط تقبُّلنا لظروفنا وتجاربنا بالقيم المهمة بالنسبة لنا.
ومثال ذلك، مَنْ لديه طفل مُعاق، أو يُعيِّل والديه؛ فهو يضع حبه وعطفه على طفله، وبرّه بوالديه فوق أي أمر آخر؛ فيكون الأسى، والحزن، والعطف، والرحمة، والبرّ جزءاً من هذه التجربة، وبمرور الوقت تزيد قيمة هذه الأيام التي يقضيها في رعاية طفله، والبرّ بوالديه عندما تمكن من تقبُّل ذلك.
وحتى تتمكن أنفسنا من تشرُّب هذه المعاني السامية، وتسكن هذه القيم سويداء قلوبنا، وتستقر مقاصدها في أقصى تجاويف الروح؛ علينا استشعار النصوص الدينية التي من شأنها أن تمنحنا دَفْقاً من البذْل والعطاء ابتغاء الأجر والثواب من الله عزَّ وجلّ.
إن تأمُّل، وتَدبُّر قوله تعالى:
‏”وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ”
وحديث: “فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ” يُعدُّ ضماداً لكثيرٍ من أوجاعنا التي تُؤرّقْنا، والآلام التي تَقضُّ مضاجعنا، وتَقْليّصاً لمسافات تذمُّرنا، وإرشاداً للخطوات التائهة بين هَمَّنا الذي نحمله وبين نظرتنا إليه.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *