يُعدُّ القلق إحدى الحالات المزاجية الأكثر ألماً التي نتعرض لها.
ويتفاوت الناس -بطبيعة الحال- في الشعور به، حيث يشعر بعضهم به معظم ساعات يومهم، بينما يشعر به آخرون في مواقف محددة فقط.
ومع هذا، فإن القلق ليس أمراً سيئاً في عموم الحال؛ فإذا كانت الأخطار أكبر من قدرتنا على التكيف؛ فمن الحكمة أنْ ننسحب، ولكن عندما نشعر كثيراً بالقلق؛ نميل إلى المبالغة في تقدير الخطر، وتقليل قدرتنا على التكيف في العديد من مواقف الحياة.
فالقلق يحدث عندما يكون تصوُّرنا للخطر الذي نواجهه أكبر من قدرتنا على التكيف، أو التعامل معه بصورة جيدة على أقل تقدير.
وكلمة “قلق” تستخدم لوصف الانفعال، أو الخوف المؤقت الذي ينتابنا قبل أو أثناء التجارب الصعبة في حياتنا، مثل إجراء مقابلة التقديم على وظيفة، كما أنها تستخدم لوصف أنواع من القلق أكثر ديمومة، مثل حالات الفوبيا، والقلق الاجتماعي، واضطراب الهلع، واضطراب ما بعد الصدمة، والتخوُّف الدائم من الإصابة بالمرض.
وباعتبار القلق له تركيبته الخاصة به؛ فإن له القدرة على التعبير عن نفسه عبر سلوكيات تظهر على سطح الإنسان القلِق، مثل سلوكيات التجنًّب والأمان.
فنحن نتجنَّب ونلتمس الأمان عندما نشعر بالقلق.
ومثال التجنُّب، تجنُّب الحديث أمام الناس، وهذا التجنُّب يمكن أن يساعدنا على الشعور بقدر أقل من القلق،لكنه يؤدي إلى زيادة في نسبته لأربعة أسباب:
الأول: إن ضعف التعامل السليم مع مخاوفنا؛ يؤدي إلى ضياع فرص تعلُّم طرق معالجة قلقنا.
الثاني: أننا لا نتعلم طرقاً للتكيُّف مع مصادر مخاوفنا.
الثالث: عندما نمارس تجنُّب مخاوفنا؛ نفقد فرصتنا في معرفة أن الموقف الذي نتجنَّبه قد لا يكون خطيراً كما تصورناه.
الرابع: لا يكون لدينا فرصة لاكتشاف قدرتنا على التعامل مع مخاوفنا بصورة جيدة.
ذلك أن التجنُّب يجلب راحةً آنية، ولكنه يزيد القلق ويتضخَّم،في حين أن مواجهته؛ تؤدي إلى ضيق في البداية، ولكنها تساعدنا في رؤية ملامح انفراج هذه الأزمة.
ومن الطرق التي يعبر عنها القلق عن نفسه، سلوكيات الأمان، وهي السلوكيات التي نقوم بها لتقليل إحساسنا بالخطر، أو لمنع الضرر في المواقف التي تجعلنا أكثر قلقاً.
ومثال ذلك، القلق المفرط من كثير الأمهات على أولادهن عند وجودهم خارج البيت، برسمهم لكثير من صور المخاوف التي لا يكون لها وجود إِلَّا في أذهانهن؛ ونتيجةً لذلك يعمدن إلى كثرة الاتصال عليهم، ومطالبتهم بسرعة الرجوع للبيت.
والمتأمل لهذه السلوكيات (التجنُّب والأمان) المرتبطة بالقلق؛ نجد أنها تكون أكثر منطقية -بالنسبة لأصحابها الذين يجلبون القلق لمن يعيشون معهم- عندما تُفهم الأفكار التي تصاحبها، والعوامل التي تدفعها للظهور.
وحتى لا تكون “من الناس اللي تجيب القلق” يمكنك إدارة قلقك بصورة جيدة؛عليك باستخدام ثلاث تقنيات ذهنية:
الأولى: تقنية سلم الخوف التي تُعنى بالتدرُّج في الاقتراب من مصادر مخاوفك، والتدريب على مواجهتها بشكلٍ عقلاني.
والثانية: استخدام تقنية الوعي التي تمنحك فرصة تعلُّم البقاء في اللحظة الحالية، وملاحظة تجربتك والبيئة المحيطة بانتباه متكامل قدر الإمكان.
والثالثة: تقنية التقبُّل التي تجعلك قادراً على السماح بوجود تجاربك دون إصدار أحكام حولها.
وتساهم هذه التقنيات في التخفيف من وطأة القلق عبر إدراك أن معظم القلق يكون بشأن مخاوف قد تحدث في المستقبل، كما تساعدنا هذه التقنيات على رؤية أفكارنا المثيرة للقلق باعتبارها مجرد أفكار ونشاط عقلي بدلاً من اعتبارها حقيقة يجب التسليم بصحتها، وواقعاً مُعَاشاً في حياتنا.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي