حنو الأوطان

وأنا أيضا يامعلمتي..

لم تسعفني فرص الحياة أن أتتلمذ على يديك أكثر من أسبوع!

لكنه كان كافيًا لأستقي من فيض علمك وحنانك.. ليصلني الشعور الصادق الذي يتسرب من حرفك الراقي باذخ الجمال.. ما يجعلني أقرأ مقالك اليوم ودموعي تذرف!

معلمتي:

أدرك تمامًا أن الحياة لا تمنحنا مبتغانا دائمًا.. لكنها بلا شك ستدلنا على الطريق الذي نسلكه لنجد ضالتنا..

فنجد أن النهايات الناقصة توقد فينا جذوة من الرغبة في السعي لما نريد..

لنبقى دائمًا بحاجة لدروس الحياة مهما ظننا أننا قد علمنا..

ستمنحنا الحياة سرها متأخرًا حين لن نكون قادرين للعودة للخلف وتفادي كل العثرات..

فقد نتماشى بكلّ خفّة مع العقبات ونناظل لتجنب الفخاخ ونجاهد لنصعد الشواهق، لكننا نبقى دائمًا نتعطش بكل شغف لكلمات ورسائل حانية ممن نثق به ونقدر إدراكه ومعرفته.

عندها يرسل الله لك من ركام الحياة من يأخذ بيدك في الدروب المظلمة إلى حيث الضياء والسكينة.. كل ذلك ليس محض صدفة، إنه لطف اللطيف وتقدير القدير ورسائل ربانية فقهها من فقه..

ربما ومنذ سنين مضت رأيتك للمرة الأولى كانت إستثنائية ومختلفة ومتمكنة “معلمتي حنان”…

معلمة جديدة دخلت علي حياتي حادثتني بطريقتك الخاصة، وبدأت بكتابة سطور رواية بدأت، لكنها لم تكتمل فلقد انقطع حبل الوصل وبقيتي بالنسبة لي نجمة في خيالي ما تزال روحي لها أسيرة، وبقيت اسم وذكرى طالما أشعرتني بالسكينة..

بشكل ما أحببتك..!!

ربما في الخيال وبطريقةٍ ما لكنني فعلت..

ربما كان اللقاء عابرًا لكنه كان عميقًا حد التعلق، إنه إلهام من روح صادقة ومختلفة، ولأن الحياة لا تمنحنا كل شيء، بقيت خلف أستار الغياب أنتظر..

ومنذ ذلك الحين وأنا أهدهد ذلك الحب في وجداني لكي ينام ويستكين ويبقى حديث شوق قد أضمأه الغياب وبهت به قميص الوصل وسقط حبل الوصال به في بئر السنين..

حتى إذا سنحت الأقدار من جديد للقاء لم يكن بالحسبان وأفرجت بعده عن مشاعر لطالما هدهدتها لتهدأ وغنيت لها لتنام..

ربما كان اعتراف يشبه اعتراف يوسف لإخوته في لحظة فاصلة بتعليق عابر لكنه عميق تحت مقالة في فحواها شعور تلميذة لمعلمتها حين وجدتها ووجدت ضالتها فيها..

وكذلك انطلق شعوري بالإفصاح لمكنون لذات تسأل كثيرًا.. من أنا؟!

أبقى أسائل والجواب

يبقى ليحجبه السراب

وأظل أحسبه دنا

فإذا وصلت إليه غاب

وخبا وذاب .. وكأنه كان هنا!!

لكنها..

فتحت ذراعي قلبها لي وقالت:

سأسقيك المحبة من جناني

وأيقظ في فؤادك ألف ذكرى

فتحيا في فيافي من حنان..

قالت..

وفعلت …

ولأن حنو الأوطان شعور مختلف لا يجيده إلا من بالحنان يتصف.. أيقظت مني كل ما خبا وغاب من شغف..

بعدما وصلتني رسالة ترقى إلى مراتب الشرف..

سألتني.إن كنت أقبل صداقتها …!!!؟؟

وكيف لا أقبل بهذا الكم الهائل من  اللطف والحنان…!!

بل أفخر و أعتز ..

وتتباهى الكلمات في صدري فيختال الشعور..

كنت أيقن دائما أن النهايات السعيدة تليق بي، وأن الأماني التي ظننتها يومًا ما مستحيلة في طريقها لتتحقق.. وأن حلم الطفولة بأن ألتقيها ولو بالحلم يستعد ليكون واقعًا.. وحلمي الذي هدهدته لينام في صدري أيقظته برسالة لم أكن لأحلم بها يومًا.. مررت بالرسالة مرارًا وبحثت فيها وبين حروفها لكنني لم أكن أحلم كما كنت أظن.. كانت أجمل رسالة تلقيتها وخفق لها قلبي..

فالأوطان دائما تفتح (ذراعيها) لتحتضن الجميع .. فكيف لو كنت المقصودة بذلك الشرف..

ذات حديث بكل لطفٍ أصغت إلي فأزهرت روحي، وكشفت بخفة عن مكنون قلبي و درر أعماقي..

ربما أدهشتها مفردتي لكن في الحقيقة لطفها وحنانها أدهشني..

هي طيف عابق وضياء منسكب ونبرة حب وحنان يليق بها مسمى الأوطان..

تعتنق لغة الأنس، وتنفض كاهل الأوجاع ثم تنثر من إبهارها على كل شيء صادفته أو لامسته بروحها..

هي وطن الحب الصادق والعطاء المترف.. ولو كان في المفردات أعمق من اسمها لكتبته لكنه الحنان.. إنه تعريفها بكلمة وافقها ووافقته ..

أتحدث فتصغي إلي، تستمع إلي بشغف وتبادلني بطيب الحديث ودماثة الخلق ونبل الصفات..

تتقن العزف على أوتار القلب.. تطير بي نحو الأفق إلى الذكرى والماضي فتمتعني..

وحين تسهب في الحديث تستمع باستمتاع وكأنك كمن يشاهد عرضًا سنمائيًا ينسكب ببراعة من نهر ذاكرتها المتدفقة.. تود حينها أن لا تتوقف وأن لا ينتهي الكلام.. فمعها يتوقف الزمن ويركن للراحة والدعة..

وحدها تجيد الحديث والإنصات معًا..

وتجمع بخفة وبراعة كل المتناقضات.. من حنو مغلف بود، وشدة تمتزج بالحب المفرط مع الحرص..

وكما الأوطان .. تتقن التربيت على الروح بابتسامة وتودد.. تتفنن في سرد الحكايا أيضًا بفن وتفرد

تحكي ذكريات الماضي بألوان الحاضر بتفاصيل مخضبة ببيانٍ وجمان..

معها أتعرف على نفسي ويترنم خافقي فأستقبل الحياة بنبض جديد، تأخذ كلامي على محمل الشغف فأصبح ثرثارة دونما أشعر .. فأعجن حروفي بجمال إنصاتها، وروعة إلهامها، ثم أبتكر الكلمة والخاطرة بانتشاء المشاعر الباهرة..

بريشة تصفيقها ولوحة مديحها .. أرسم مشاعري بخفة وبهجة..

حين تقرأ لي باهتمام أصبح شاعرة بلا شعر .. وكاتبة بلا كلمات.. ورسامة بلا ريشة..

وحين تصفق لي ترفرف الروح في فضاءات الانتشاء .. وتسعد النفس بذلك الإطراء..

واليوم.. هذه النجمة التي طالما ظننتها بعيدة تمد يدها لي لأقترب.. لتكون صديقتي.. وأمنيتي التي لم أحدث نفسي يومًا بها لبعد منالها دائمًا تظل داخلنا مشاعر صادقة لا تبلغها الكلمات..

لكنها اليوم  لي بمثابة الوطن .. وستبقي وحدك يامعلمتي.. بل يا صديقتي.. تجيدين حنو الأوطان.

فاطمة صغير

ردًا على مقالة معلمتها الأستاذة (حنان سعد المغربي) مؤثرون في حياتي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *