عندما تتكون ثقافة أحدهم من عشرين مغردا في تويتر و خمسة متعالمين في اليوتيوب و سبعة كتاب أعمدة في صفحات جرائدنا البائدة و خمسة عشر كتابا قيمة الحبر و الورق و التجليد تفوق قيمة الكتاب العلمية . هذه المدخلات لن تخرج إلا شخصا كرتونيا أجوفا ، يطير في السماء عند أول نفحة ريح و عند سكونها يهوي في وادي النسيان. فهو كالاسفنجة يمتص كل شي ، و كالببغاء يردد كل ما يسمع بلا وعي أو إدراك ، ما هو إلا مرآة تعكس أفكار الآخرين .
ما دعاني لكتابة هذه المقدمة هو جلوسي مع أحدهم قبل عدة أيام وقد كنت حريصا على عدم الخوض في مثل هذه المواضيع لعدة أسباب أولها انتصار أحد الأطراف معناه خسران الطرف الآخر ، وثانيها أن من أغلق عقله بتبعية أشخاص محددين فلن تملك مفاتيحه إلا أن يشاء الله و يشرح صدره للهداية، وثالثا علمي المسبق بالمواضيع المطروحة و هي لا تخرج عن الحرية ، المرأة حجابها و اختلاطها ، العلماء و فتاويهم ، الموسيقى ، ووهم المؤامرة على الإسلام والمسلمين.
بعد أن خاض في هذه الأركان منتقدا و مفندا و معالجا لأخطاء وقع فيها علماء الأمة (حسب زعمه) و كذلك استعرض الأخطاء السياسية التي تسببت في نكبة العالم الإسلامي منذُ تولي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى اندلاع الثورات العربية، و أنا ملتزم الصمت إلى أن توج كلامه بهذا الجملة ( لابد من تجديد الخطاب الديني ) عندها سألته ماهو الخطاب الديني الذي تريد تجديده قال لي : كل ما ذكرته .
قلت له للأسف انك لم تفرق بين الخطاب الديني و خطاب الدين .
كل ما ذكرته و طرحته هو خطاب الدين فالمرأة وحقوقها منصوص عليها بآيات و أحكام شرعية ليس من حقك و لا من حقي و لا من حق كتاب صحف أن يدخلوا فيها ، فالعلم الشرعي له أهله من ذوي الاختصاص. و كذلك الحرية إطلاقا و تقييدا هناك أحكام شرعية و قوانين دولة تحكم حريتنا و تجاوزنا .
أما تجديد الخطاب الديني فهو يختص بوسائل الدعوة أو فقه النوازل .
فهناك فرق بين المصطلحين.
عندها قلت له: أكمل محاورك قال لي لن أكمل لأن رجلاي قد تعبت و سوف أمدهما كما مدهما الإمام أبو حنيفة ..
عندها استلقيت على ظهري و كدت أفطس من كثرة الضحك ..
و قلت في نفسي يا ليتني عملت بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ) …لم يقتنع صاحبي و لم أكسبه و لم أكسب فضل ترك المراء.