عندما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ) ….
قال ذلك لان الله سبحانه وتعالى المطلع على خفايا الانفس البشرية وكيف لا وهو الذي خلقهم وهو علام الغيوب ، قد سبق في علمه الازلي ان النفوس تطمع دائما الى المزيد مهما بلغ ما عند الانسان من خيرات قال ذلك لترتاح النفوس وتقنع بما أتاها الله فانك ايها الانسان الضعيف والطامع الى الزيادة انك لو اتبعت تعاليم الله ووصاياه ترتاح نفسك فقد قسم الله بين الخلق الارزاق فجعل هذا غنيا وفاحش الثراء وهذا فقير معدم لانه اعلم بما يصلح كل واحد ولو تفكر الانسان للحظة لعلم ان ما هو فيه خير له ..
ولنا في قصة ثعلبة عبرة اذ كان يسمى حمامة المسجد عندما كان فقيرا ولكن الغنى جعله في سلك المنافقين اجارني الله واياكم ..
اذا على المرء ان ينظر الى ما دونه فعندها يحمد الله على الحال التي هو عليها …
وليس الرزق متعلق بالمال فقط وهذا الفهم الخاطيء الذي علق في اذهان كثير من الناس فكلمة الرزق كلمة جامعة تشمل جميع نعم الله على العبد سواءا اكانت النعم مادية او معنويه محسوسة او غير ذلك فالرزق يشمل الاولاد والصحة والعافية وراحة البال والطمأنينة والخلو من الدين الذي هو هم بالليل وذل بالنهار واذا اردت ان تعلم انك مرزوق وانك غني فخذ جولة الى احدى المستشفيات وتأمل من يرقدون على الاسرة البيضاء يعانون ما يعانون من الآلام والأوجاع في حين ان لدى بعضهم اموالا مكدسة بين ايديهم وتحت اقدامهم فلم يستطيعوا ان يشتروا ولو لحظة بهذه الاموال صحة او عافية ومنهم ولا اكون مغاليا اذا قلت جلهم مستعدون ان يدفعوا كل ما لديهم لشراء العافية ولكن هيهات …
وتأمل كذلك في غير هؤلاء فهناك اقوام ذوو يسار وثروات طائلة ولكن قد حرموا الاولاد وتراهم يقطعون الاجواء والبحار جيئة وذهابا في زيارة ارقى المستشفيات علهم يجدون ولو طفلا واحدا يملأ عليهم هذه الوحدة القاتلة التي يعيشون فيها فلا يجدون طعما لحياتهم المترفة والخالية من فلذات الأكباد في حين تجد على النقيض من ذلك البعض متذمر متسخط من كثرة الاولاد مع قلة ذات اليد وهكذا هي الدنيا وسميت دنيا لهذا السبب لا راحة فيها فالغني غير مقتنع بما عنده ويريد المزيد والفقير يشكو حاله لكل من يمر به …
وما شرع الله الزكاة والصدقة الا ليعلم البشر كيفية التكاتف والتعاضد وانهم اخوة حتى لو اختلفت ديارهم وقاراتهم …
وصدق علي رضي الله عنه حين قال :- ( لقد جعل الله في اموال الأغنيا ء حق للفقراء فما جاع فقير لا بتخمة غني )
والمشكلة الكبرى ان الغني يظن حين يتصدق على فقير انه قد تفضل عليه فترى البعض يسلك مسلك المن والاذى والحقيقة هي ان ذلك المال الذي دفعه الغني للفقير حق للفقير وكان الغني كالقيم عليه وهو حق من حقوق الفقير كان عند الغني فرده اليه وهذا لا يعني ان الغني ليس مأجورا في هبته تلك ولكن لحفظ ماء وجه الفقير على الغني ان يحسن في العطاء وان يتجنب المنة والاذى فالمؤمنون كلهم اخوة واليضع الغني نفسه موضع الفقير ويتأمل كيف يحب ان يعامل
اذا يجب على المرء ان يرضى بما قسم الله له وان لا يتسخط ويجب ان يكون عفيف النفس وان يترفع عن الاستجداء لحفظ ماء وجهه فهناك امثال من قال الله عنهم ( يحسبهم الجاهل أغتياء من التعفف) فهم يترفعون عن الاستجداء مهما عضهم الفقر بنابه وجثم بكلكله عليهم ….
وبحكم عملي في جمعية البر رأيت الكثير من هؤلاء المتعففين حتى ليجد الانسان صعوبة في اكتشاف حاجاتهم …
وها نحن قد اظلنا العيد فأهيب باهل اليسار ان يشمروا عن سواعد الجد ليبحثوا بصدق عن أولائك الذين نتحدث عنهم وحبذا لو يتقمص الغني شخصية (جابر عثرات الكرام ) ويفتش عن خبايا هؤلاء من غير علم منهم أو من غيرهم فالله هو المطلع على الضمائر ولا تخفى عنه خافية سبحانه ولنتذكر حديث البعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه (ورجل انفق نفقة فخفاها حتى لا تعلم شماله ما انفقت يمينه )…
وليعلم من يقدم يد المساعدة ان الله قد وفقه لهذا العمل النبيل حين استعمله في قضاء حوائج الناس وهذه نعمة قد لا يعطاها الكثير …
والمسلمون كالجسد الواحد كما اخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم …
وفي الختام فقد قال الرسول الكريم ( ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ).
رزقني الله واياكم الاخلاص في القول والعمل .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب