الكذبة الكبرى لأهدافنا!

يؤمن الغالبية العظمى أن الطريقة الصحيحه لتحقيق ما نريده في الحياة، هي وضْع أهداف محددة قابلة للتنفيذ.
وهذا الاتجاه السائد في ثقافة الكثير سواءً عن مستوى الأفراد أو المؤسسات، فالتركيز يكون منصباً على الأهداف بشكل واضح يفوق الاهتمام بالنظام التي يُسيّر تلك الأهداف نحو وجهتها المقصودة.
في حين أن المتأمل، سيلاحظ أن النتائج لم تكن مرتبطة كثيراً بالأهداف التي يحددها الإنسان، أو المؤسسة بقدر ما كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنظام الذي كان يتبعه ذلك الإنسان، أو تنتهجه تلك المؤسسة.
فالأهداف معْنية بالنتائج التي نريد تحقيقها، في حين أن الأنظمة تُعنى بالعمليات التي تؤدي إلى تحقيق تلك النتائج.
فإذا كنت مديراً، سيكون هدفك تحقيق النتائج الجيدة لإدارتك، أما نظامك فهو الطريقة التي تستقطب بها الموظفين، وتُديّر بها عملك،وتوزيع المهام، وتباشر بها عملك في كل تفاصيله، وتمنحك طريقة نظامك البوصلة لاتجاه تعاملك مع كل المستفيدين داخل وخارج إداراتك.
إن الكذبة الكبرى التي نصدقها بمزاجنا، هي أن التركيز على أهدافنا يحقق لنا نتائجنا، لكننا لم ندرك أن النتيجة النهائية ستتحقق من تلقاء نفسها في حال أننا كثَّفْنا تركيزنا على نظامنا الذي يُديّر حياتنا.
وهذا لا يعني أن الأهداف عديمة الفائدة، بل أنَّها مفيدة في تحديد الاتجاه، غير أن النظام الذي يُسيّر حياتنا هو أفضل ما يحقق لنا النمو والتقدم على المستويين الشخصي والمؤسسي.
إننا عندما نقضي وقتاً أكثر مما ينبغي في التفكير في النتائج وتحقيق الأهداف، ووقتاً أقل مما ينبغي في تصميم نظامنا الذي نُديّر به حياتنا؛ من شأنه أن يُفْضِي ذلك إلى عددٍ من العقبات، وأولى هذه العقبات أن الجميع -الرابح والخاسر- يتقاسمون الأهداف عينها، فلا يمكن أن يكون الهدف هو ما يُحدث الفارق بين الرابحين والخاسرين.
فالهدف موجود على الدوام لدى هؤلاء الرابحين، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق نتيجة مختلفة إِلّا حين طبّقوا نظاماً من التحسينات الصغيرة المتواصلة.
وثاني هذه العقبات، أن تركيزك على أهدافك دون العناية الكافية بنظامك؛ سيجعلك تظل تطارد النتيجة نفسها؛ لأنك لم تقم بتغيير النظام الكامن وراءها، فأنت عالجت العَرَض من دون أن تعالج المرض.
فتحقيق الهدف لا يُغيّر حياتك إِلّا لحظياً، وهذه هي السمة المناقضة للبديهة فيما يتعلق بعملية التحسين، فنحن نظن بأننا بحاجة إلى تغيير نتائجنا، غير أن النتائج ليست هي المشكلة، فما نحن بحاجة إلى تغييره حقاً هو الأنظمة التي تسببت في تلك النتائج.
وبناءً على ذلك؛ فنحن بحاجة إلى حل مشكلاتنا على مستوى الأنظمة، وليس على مستوى النتائج.
وثالث هذه العقبات التي تواجهنا عند تصديق الكذبة الكبرى للأهداف، هو أن الأهداف تتعارض مع التقدم طويل الأمد، ومثال ذلك:
إذا كان الغرض من تحديد الأهداف هو اجتياز الاختبار، فإن الغرض من بناء النظام الذي يُديّر حياتك هو الاستمرار في بناء نفسك فكرياً وعقلياً بصورة واعية ومثمرة، حيث أن التزامك بعملية بناء نظامك هو الذي يحدد مقدار تقدمُّك، وليس بما تحققه فقط من نجاح على مستوى الأهداف.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *