نسبة الاتفاق والاختلاف

إذا كان الإنسان اجتماعي بطبعه .. فهو مختلف بفطرته (بلى قادرين على أن نسوي بنانه).

والبصمة الإنسانية هي أصل هذا الاختلاف .. ثم يزيد الاختلاف أو ينقص بناء على معايير ومؤشرات وصفات وظروف تلعب فيها مؤثرات لا حد لها ..!!

والأصل الذي يجب أن نعيه ونتفهمه هو أن الناس ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ). والاتفاق هنا هو في التوحيد ومحكمات الشريعة وليس في طبائع الناس وتنوع قدراتهم وأذواقهم.

ولو اتفق الناس على كل شيء لربما تعطلت مصالح كثيرة يحتاجونها في حياتهم .. لكن هذا الاختلاف في مهاراتهم وقدراتهم وإمكاناتهم هو الذي يدفع الحياة إلى الأمام .. فكل يخدم غيره في طبيعة معاشه.

وتلعب نسب الاتفاق والاختلاف بين البشر أدوارا كثيرة في معدلات الألفة والانسجام والإنجاز.

نحتاج إلى أن نؤمن في حياتنا بأن الزوجين يمكن أن يكون بينهما اتفاق واختلاف لكن المهم أن ندرك بأن الاتفاق قد يصل إلى نسبة 70 % والاختلاف ربما يصل إلى 30% وربما يزيد الرقم أو ينقص بناء على طبيعة التعامل فيما بينهما من جهة ومعدل الود والرحمة الذي يصبغ طبيعة شخصيتهما.

بعضنا رجالا ونساء يسأل عن الحب حين يرى أو يلمس خلافا أو سلوكا يكرهه تجاهه ، والحقيقة أن الحب لا يمنع الاختلاف ولكن الود والرحمة يمنعان الصراع ..!!

يجب أن لا نفسر كل اختلاف بيننا بأنه يعكس ( الكره ) أو عدم الأئتلاف .. بل هو طبيعة إنسانية ربما كان خلفها سبب أو ظرف أو قدرة أو إمكانية حالت بيننا وبين عدم تقديم ما يلزم تجاه ما يستحقه أو يطلبه أو يتوقعه الطرف الآخر .. !!

من المتوقع بين الزوجين أن تسود عبارات الحب في مستهل حياتهما .. لكنها لا تدوم بنفس النسبة في مراحل حياتهما لأن الأفعال هي التي تعبر أكثر من الأقوال .. ثم تكون المودة والرحمة هي المظلة التي تظلل حياتهما كي تدوم العشرة بينهما .. والاحتواء والوفاء المتبادل بينهما.

وهكذا الصداقات بين البشر هناك من ( يطلب أو يطالب ) لنفسه بمزيد من معايير الاتفاق بينه وبين من يصادق .. وكلما زاد معدل ( طلب الاتفاق ) قل معدل الحصول على الصداقة والأصدقاء.

ولو طلب أو طالب الإنسان اشتراط معدل الامتياز في شروط صداقاته ، ربما ( لا يجد أحدا ) وربما لا يجد حتى نفسه في دائرة +A.

من المهم أن نشعر بأن طبيعة الاختلافات بين الناس ( نوع من الرحمة ) والسعة التي يخدم فيها بعضنا بعضا ويسخر الله فيها بعضنا لبعض.

وهكذا مختلف العلاقات بين البشر .. نحتاج دوما وأبدا إلى أن نعي وندرك بأن قدرات ومهارات .. بل ومشاعر وصفات الناس تختلف من حيث الأصل وتتنوع من حيث القدرة عن التعبير عنها .. حتى ولو كانت موجودة.
حيث هناك من يحبك ويحبك كثيرا لكنه لا يحسن التعبير عن ذلك لأسباب تربوية أو طريقة نشأته أو قدرته عن الإفصاح عن ذلك سواء بلغة الكلام أو لغة الجسد. وتلك مواهب وهبها الله للناس .. !!

ومع ذلك يحتاج الناس على تدريب أنفسهم عن التعبير عن عواطفهم وتعويد النفس على إبداء ما تكنه من مشاعر تجاه من يحبون كما في الحديث ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعْلَمْتَهُ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «أَعْلِمْهُ»، قال: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ).

نحتاج فعلا لثقافة إبداء المشاعر الجميلة وتناقلها فيما بيننا باللفظ الحسن أو بالذكر الحسن لمن ولما نحب.

والخلاصة .. أننا إذا قررنا أصل الاتفاق والاختلاف بين الناس .. فإن (المبدأ الذي يجب أن نتفق عليه عموما بنسبة 100% هو الاحترام والتقدير المتبادل بيننا).

أ.د خالد بن عبدالعزيز الشريدة

✍️ جامعة القصيم

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *