قام عالما النفس “كريستوفر تشابريس” و “دانييل سايمونز” في عام 1999م بتنفيذ أشهر التجارب العلمية في علم النفس، وذلك بعرض مقطع فيديو قصير على مجموعات متفرقة من الناس.
وُطلِبَ من المشاركين التركيز في الفيديو على بضعة أشخاص يتبادلون تمرير كرتي سلة في حلقة دائرية. وطُلِبَ من الجمهور التركيز بشدة لمعرفة كم مرة يمرر أصحاب القمصان البيضاء الكرة لزملائهم.
وبينما كان الجمهور منهمكين في العد، نتيجة سرعة تمرير الكرتين، مرّ بين اللاعبين شخص يرتدي ملابس تنكرية لغوريلا. وحينما سئل الجمهور عمّا إذا كانوا قد رأوا تلك الغوريلا؛ فلم يلاحظ ذلك عدد كبير منهم.
وتوصَّل هذان العالمان إلى نتيجتين مهمتين، والتي أصبحتْ تُدرس في معظم داخل وخارج الجامعات الأميركية، وأشارت إليها العديد من كتب علم النفس:
النتيجة الأولى:
إننا نعاني من عمى تجاه الكثير من الأمور التي تدور حولنا.
النتيجة الثانية:
إننا نعاني من عمى آخر يحجب حقيقة الإنسان الأعمى الذي يعيش في داخلنا.
وهذا ما ورد في كتاب «الغوريلا الخفية» الذي قام بالكشف عن بعض القيود التي تُقيّدُ العقل البشري، كما غاص داخل معتقداته المبنيّة على ركونه المفرط إلى الأوهام الستة: (وهم الانتباه – وهم الذاكرة – وهم الثقة – وهم المعرفة – وهم السبب – وهم المقدرة أو الإمكانية)
الوهم الأول: وهم الانتباه:
نحن نُصاب بوهم الانتباه، حين تكون أعيننا تكون باتجاه معين، لكن إدراكنا باتجاه مختلف تماماً، فالإبصار لا يُرادف الرؤية بالضرورة.
الوهم الثاني: وهم الذَّاكرة:
نُصاب بوهم الذاكرة (التَّذكُّر) أو الذاكرة المشوهة؛ لأنه يختلف الشيء الذي نتذكره فعلاً عن الشيء الذي كنا نتوقع أن نتذكره.
الوهم الثالث: وهم الثقة:
يُصيّبنا وهم الثقة؛ حين نحكم على دقة ومهارة الآخرين لمجرد ثقتهم بها.
مع أن الثقة والقدرة على فعل شيء ما ليس بينها علاقة.
وكما قال تشارلز دار وين:
“الجهل ينتج عنه ثقة شبه دائمة أكثر مما تفعله المعرفة”
الوهم الرابع: وهم المعرفة:
نُصاب به عندما نظن على سبيل اليقين من معرفة أمرٍ ما، لكن عند التطبيق؛يتضح خلاف ذلك.
وخير مثال لذلك، ما حدث عند بناء دار الأوبرا بسيدني، حيث كانت التكلفة المتوقعة 7 مليون دولار، في حين بلغت التكلفة الحقيقية 102 مليون دولار.
الوهم الخامس: وهم السبب:
فتصورنا غالباً يميل إلى فهم المعاني حسب توجهها، وعقولنا تستنتج الأسباب بطريقة تميل إلى الذاتية والتي لا تكون حقيقية بالضرورة.
الوهم السادس: وهم المقدرة والإمكانية:
فأفكارنا الخاطئة عن أشخاص معينين، تجعلنا نرى هؤلاء يتصرفون وفق أفكارنا عنهم.
وكما يقول جور دان بيتر سون:
“عقل الإنسان عظيم جداً لدرجة أنه يغير الواقع الذي حوله على حسب ما تتماشى به نواياه”
وهذه القدرة هي في عقولنا فقط، ولكنها ليست في واقعنا الذي نعيشه.
إن وعينا بهذه الأوهام من شأنه أن يخفض درجة تأثيرها علينا بشكلٍ ملحوظ مع اقتران ذلك الوعي بالنية والرغبة الصادقة، والشروع في التخلُّص منها.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي