مسؤولية القلم

استوقفني أحدهم ليطرح علي سؤالاً لم أتوقعه ، فقال لي لماذا لا تكتب في أمور السياسة ؟ ، فقلت له ما شأني بها ثم لأنني حقاً لا أجيد السباحة في بحرها وبحرها كما تعلم خضم هائج يبتلع كل من تقدم إليه حتى المتفرج ، ولا أعرف مداخلها ومخارجها ، فقد لبثت منذ أن وعيت وأدركت الأمور وأنا في حيرة من أمرها ، فمن أبجديتها أن صديق اليوم يصبح عدو غداً والعكس ، فماذا أصنع إن جاريت المشتغلين في فن السياسة وأنا أقف مندهشاً لماذا أصبح الصديق عدواً والعدو صديق بمجرد أن تعاكست المصالح ، اعترف أن هذا أمر أكبر بكثير من عقلي المتواضع .

أنا لست معنياً بهذا الأمر فالذي يشتغل بما لا يجيده هلك ، فالشخص الذي لا يفهم في فن الكهرباء إذَا أراد أن يفك أسرارها فسوف يصعقه التيار فيودي بحياته  ..

نحن معنيون بإصلاح المجتمع ونسخر أقلامنا وفكرنا لكل ما ينفع مجتمعنا وأمتنا ، فهناك من السلبيات ما يكفينا لنشمر عن سواعدنا لعلاجها في مجتمعاتنا ونترك السياسة لأهلها ، وكما يقال في المثل الشعبي الدارج ( صاحب صنعتين كذاب) ، نعم نحن معنيون بتثقيف هذا الشباب الذي ربما يعقد علينا الآمال لنخرجه من العالم التائه الذي يريد البعض إقحامه فيه ، فهم أمانة في أعناقنا ولا يكفي أن أربي ابني فقط فيجب أن يكون كل شباب مجتمعي الذي أعيش فيه وأنا فرد منه بل كل شاب من الذين يقرأون ما نكتب أن نعدهم أبنائنا ، والله قد أعطانا ما أعطانا ليرى وهو أعلم بنوايانا ومداخل ذواتنا .. فماذا سنصنع بهذه المهنة الشاقة ، فالكتابة حقاً مهنة شاقة وهي مسؤولية جسيمة قد ألقيت فوق كواهلنا ، وبدون عون الله لا نستطيع عملها فنكون بذلك قد قصرنا في ما وكلنا به ، والمتمعن في أمور المجتمع يدرك تماماً أن هناك خلل وثغرة يجب علينا سدها ولا يتسنى لنا ذلك إلا بتضافر الجهود ووضع أيدينا بصدق فوق بعضها لنجتاز الامتحان .. 

فلنقرأ التاريخ ونفتش ونغوص داخل صفحاته فسوف تتكشف لنا الأمور ونعلم كم عانى الأنبياء والرسل من ويلات وجحود وأَذى ونكران ممن أرادوا إصلاحه وإنقاذه من الهاوية ، فأخذ الكتاب والمفكرون والمصلحون الراية بعد الأنبياء  ليكملوا مسيرة الإصلاح …

وقد أجاد حقاً أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال متحدثاً عن رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وسلم:
المصلحون أصابع جمعت يد .. هي أنت بل أنت اليد البيضاء .

ونحن في هذا الزمن الذي تكالبت علينا كل خفافيش الظلام الذين يعملون في السراديب والكهوف المظلمة على إفساد الشباب والنيل من مقدرات الأمم والشعوب التي تنشد السلام ، يزداد عبئنا وحملنا ولكن علينا الاستعانة بالله المعين ،  وأنا هنا لا أدعي العلم – استغفرالله – إنما أنا تلميذ أحاول جاهداً لتثقيف ولو شخصاً واحداً ينتفع بما انتفعت به أنا ممن كان قبلي ، فأكون قد قدمت ولو الشيء اليسير لأمتي ، ولا يجب على الانسان أن يعيش وحده ويتخذ من القاعدة الأنانية التي تقول ( إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر ) .. نعم ليس من الأمانة أن  أعيش وحدي ولا يهم إن أخذ الطوفان غيري ، فهذا الفعل من أشد أنواع الأنانية وحب الذات والتخلي عن المسؤولية .

الذين يريدون هزيمتنا لا ينتقوننا انتقاء بل همهم الأمة بأسرها ، علينا أن نكون واعين ونترك التواكل وحسن النية في معركة العدو فيها يتخذ كل أساليب المكر والخديعة من إظهار حسن النوايا ودس السم الزعاف في العسل حتى يتمكن من تسميم العقول و الأنفس والقلوب على حد سواء ، وهذا ليس تشائماً إنما هو الحرص والاستعداد وأخذ الحذر فقد نبهنا الله سبحانه وتعالى لذلك فقال جل في علاه : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) سورة النساء ..

و ما أكثر هؤلاء فهم منتشرون كالجراد المفسد للزروع ، فالزروع هم فلذات أكبادنا شبابنا وفتياتنا والمعول عليهم بعد الله سبحانه وتعالى وعدتنا وعتادنا ، وكذلك السلاح هنا في معركتنا سلاح معنوي وهو أشد فتكاً من السلاح المادي ، فالسلاح هنا لا يقتل فرداً بعينه بل يتغلغل في قلب الأمة كلها ويطعنها في الصميم حتى لا تقوم لها قائمة بعد ذلك ، ثم يتحكم في الأجيال القادمة ويفعل بها ما يريد ويسيرها كيفما يشاء ويجيرها لصالحه ، فخذوا حذركم ويجب على كل واحد منا وبالأخص الشباب أن يكون فطن ولا ينخدع بمعسول الكلام وزخرف الأفعال ..

اللهم ردنا إلى رحابك رداً جميلاً وارحم ياالله ضعفنا وتولى أمرنا وأحسن خلاصنا وبلغنا مما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وصل وسلم على رسولنا و قدوتنا وقائدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

إبراهيم يحيى أبوليلى 

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *