الذاتيون واللا ذاتيون!

مع حدوث الأشياء لحظةً بعد لحظة، ويوماً بعد يوم في حياتك؛ فإن موضع السيطرة لديك يحدد الشخص، أو الشيء الذي تعتقد أنه يتحمل المسؤولية عن تلك الأشياء.
إنه الكيفية أو الموضع الذي تحدد من خلاله موضع اللائمة على ما يواجهك من صعوبات، والفضل فيما وصلت إليه من منجزات.
إن كل إنسان يحمل بداخله ذلك “النظام التصوري” بتلك الطريقة من التفسير، وتحديد العلاقة بين السبب والنتيجة فيما يخص الأشياء التي حدثت في حياته، وربما لا يكون المرء على وعي بموضع السيطرة ذلك، إلا أنه موجود في مكان عميق بداخله، ويمثل قاعدة الأساس في تصوره لذاته.
إن موضع السلطة لدى البشر بوجهٍ عام، إما أن يكون خارجياً، أو داخلياً، فاُستخدم مصطلح “الذاتيين” للأشخاص الذين موضع السيطرة لديهم داخلي، ومصطلح اللاذاتيين” في إشارتنا إلى الأشخاص الذين موضع السيطرة لديهم خارجي.
يعمل الذاتيون انطلاقاً من تصورٍ للذات يقول لسان حاله: “إن كل شيء سيء يحدث لي في حياتي؛ إنما هو خطأي، وكل شيء جيد يحدث في حياتي؛ إنما هو من صُنعي” وبمعنى آخر، كل ما سيصبح جيداً، أو سيئاً في حياتي فإنني “أنا المسؤول عنه”، وأصحاب هذا التوجه يفحصون، ويراجعون أفعالهم وتفاعلاتهم مع الآخرين، وحياتهم، وخصائصهم،وصفاتهم؛ حتى يفسروا النتائج الحادثة في حياتهم؛ فهم يشيرون بصورة تكاد دائمة إلى شيء فعلوه، أو لم يفعلوه، ويعتبرونه العامل الأساسي في وقوع أي حدث في حياتهم، ويعتبرون أنهم ” تسببوا” في ذلك الحدث بطريقة أو بأخرى.
بينما أصحاب الاتجاه الثاني “اللاذاتيون” لا يُحمّلون أنفسهم مسؤولية حدوث شيء سيء أياً كان ذلك الشيء، وكذلك الحال مع حدوث الأشياء الجيدة.
ويرى هؤلاء أن شخصاً، أو شيئاً آخر هو من تسبب في النتائج الحادثة في حياتهم. وربما تمثَّل ذلك “الآخر” في ظرفٍ ما، أو في والديهم، أو في أي شخص، أو شيء آخر بعيداً عن أنفسهم.
ومثال ذلك أنه لو كان أداء أحد أصحاب هذا الاتجاه ضعيفاً في الامتحان مثلاً؛ ربما كان خطأ دكتور المادة، أو ربما كان خطأ أصدقائه الذين أصروا على إبقائه معهم حتى وقت متأخر في الليلة السابقة للامتحان، أو ربما قال ببساطة: إن الامتحان كان صعباً جداً، أو أنه كان “امتحاناً غير عادل” إن مثل ذلك الشخص لا يعتقد للحظةِ أنه قد يرسب في الامتحان نتيجة لكسله، أو لضعف استعداده، أو عدم تركيزه.
وبالمثل، فإذا أدى أحد أصحاب هذ التوجه أداءً جيداً في الامتحان؛ فسيفسر ذلك بأن “الامتحان كان سهلاً”، أو أن “دكتور المادة كان كريماً مع الطلبة في منحهم الدرجات” ورغم كل الاختلافات بين أصحاب الاتجاهين السابقين، إلا أنهم جميعاً يشتركون في شيء واحد، وهو أنهم يحددون شخصاً، أو شيئاً يعتقدون أنه المسؤول عن النتائج الحادثة في حيوتهم، سواءً أكان ذلك المسؤول “أنا دائماً”، أو “ليس أنا أبداً”؛ فإن كلا الفريقين لديه اعتقاد راسخ بأن هناك مبرراً وسبباً مباشراً لكل شيء يحدث.
ومع ذلك فهناك فريق ثالث، ويمكن لنا أن نطلق على هؤلاء لقب”الراكنون إلى الحظ” وأصحاب هذا الاتجاه لديهم تصور أن كل النتائج الحادثة تعود في حياتهم إلى القدر، أو المصادفات، أو مجرد الحظ.
إن أصحاب هذا التوجه لا يعتقدون أن لهم، أو لأي شخص أو شيء آخر أي أثر، أو سيطرة على النتائج الحادثة في حياتهم.
فهم ليس لديهم أي فكرة عن سبب حدوث الأشياء بالطريقة التي تحدث بها، ويرون أن الحوادث تقع بصورة عشوائية.
إن إدراك الإنسان لتصوره الذهني لأحداث حياته ووعيه بها؛ من شأنه أن يمنحه بصيرة ثاقبة ينظر من خلالها لمجريات حياته؛ فلا يلوم نفسه على كل ما يقع عليه، ولا يفرط في التنصُّل من مسؤوليته، ولا يرمي بكل ما يحدث له على حائط المصادفة، أو يقذف به من وراء جدار الحظ.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *