تظلُّ “الأنا” تُخاتلُ صاحبها للبروز، والتعبير عن ماهيتها. والأنا حين تمارس هذه المخاتَلة والمخادَعة في كثيرٍ من الأحيان تكون دون وعيٍّ من صاحبها.
وتتخذُ الأنا صوراً عدة في عملية المخادَعة والحيل التي تمارسها، ومن أبرز تلك الحيل “حيلة التَّذمُّر” التي تعتمدها الأنا لتقوية نفسها، فغالباً كل تذمرٍ هو عبارة عن قصة قصيرة يختلقها عقل الأنا؛لكي تؤمن هذه الأنا بكامل تفاصيل القصة.
ويصبح التذمر -خصوصاً من الآخرين- أمراً عادياً لدى الإنسان الذي يقع ضحية حيلة التذمر؛ مما يعني أنه لا يكون عارفاً بما يفعله.
ويُعَدُّ تصنيف الناس -وفقاً لتصنيفات عقلية- الأكثر شيوعاً بين أغلب البشر.
كذلك يُعَدُّ السِبَاب أكثر الأشكال فظاظةً، وتعبيراً عن حاجة الأنا إلى أن تكون مُحقّة ومنتصرة على الآخرين، ولكي تكون مُحقّاً -وفق مفهوم الأنا- يتطلب أن يكون غيرك مُخْطِئاً.
ومن الحيل التي يمكن للأنا من خلالها مخاتلة صاحبها “الشعور بالامتعاض” وهو الشعور الذي يترافق مع التذمر والتصنيف العقلي للناس، وهو يشحن الأنا بمزيد من الطاقة، ويزودها بالوقود الكافي للاستمرار في غَيّها. فالامتعاض يعني أن تشعر شعوراً مريراً، ساخطاً، حزيناً، أو أن تشعر بالإهانة.
فالإنسان يمتعض من خداع الناس، وعدم صدقهم، أو مما فعله أحدهم به في الماضي. فالأنا تُفضِّلُ هذا الشعور، وتقتات عليه، وتتغذَّى به، بدلاً من التغاضي والتغافل عنهم، بل تجعله هويةً لهم.
وقد يتحول الامتعاض إلى شعورٍ راسخ بالتَّظلُّم، وهو أن تحمل شعوراً بالتَّظلُّم في داخلك؛ وهذا بدوره يُفْضِي إلى أن تكون في حالة دائمة من الــ “ضد”؛ ولهذا السبب تُشَكّل المظلومية جزءاً مهماً من الأنا، وهذا الأمر يمكن تمريره على التَّظلُّم الجماعي لقرون في نَفْسيّة أمةٍ ما، أو قبيلةٍ ما، أو مجتمعٍ ما.والمظلومية يكون هدفها تقوية الإحساس الزَّائِف بالذَّات؛ وبالتالي فهي إِنْ تمكنت من صاحبها؛ تجعله مشحوناً تجاه ماضيه، أو أشخاص معينين بشكلٍ كبير؛ بسبب حمولة الأفكار والمشاعر القديمة التي تمتطي ظهر راحلته.
ومن صور خداع الأنا لصاحبها، شعوره اللحظي بالرضا قبل نقْله خبرٍ ما يجهله الطرف الآخر، وهذا يرجع إلى حقيقة أنه شعر -ولو لبرهةٍ وجيزةٍ من الزمن- بالتفوق والأفضلية، فخلال هذه البرهة الزمنية الوجيزة يشعر أنه يعرف أكثر من الطرف الآخر، والرضا الذي يشعر به نتيجةً لذلك هو رضا الأنا، وهو مشتق من الإحساس بشعور أقوى بالذات مقارنةً بالشخص الآخر.
كذلك من صور خداع الأنا، ظاهرة ذكْر الأسماء الشهيرة والمهمة في ثنايا الكلام دون ضرورة لذلك؛ من أجل تقوية نفسها.
أيضاً من صور خداع الأنا، ممارسة النميمة، ذلك أن النميمة تحمل معها عنصراً من النقد الخبيث، والحكم القيمي على الآخرين، وبالتالي فإن النميمة تقوي الأنا عبر التفوق الأخلاقي الضمني.
ولعلَّ أكثر أشكال خداع الأنا تتكشَّف عندما يمتلك أحدهم أكثر، أو يعرف أكثر، أو يمكنه أن يفعل أكثر، فإن الأنا تشعر بالتهديد؛ لأن الشعور بالأقل يُبدد إحساسها المُتخيِّل بالذات بالمقارنة مع الآخر.
فالأنا عندئذٍ تحاول أن تستعدي نفسها من خلال الانتقاد، أو الانتقاص من قيمة ممتلكات، أو معرفة، أو قدرات الشخص الذي يفوقها. وقد تُغيِّر الأنا استراتيجيتها، فبدلاً من من التنافس معه، تعمل على تعزيز نفسها من خلال الارتباط به، إذا كان ذلك الشخص مهماً في نظر الآخرين.
وفي كثير من الأحيان تجد الأنا طريقاً للتسلل عند ذكْر حقيقة معينة، وقال أحدهم عكس ذلك، فالأنا تبدأ في الظهور عبر دفاعك عن قولك بعبارة “صدقني، إنني أعرف” أو “لماذا لا تصدقني أبداً” فعندئذٍ تكون الأنا قد تسللت بالفعل، فهي تختبىء في الكلمه الصغيرة “إنني” فأنت هنا لا تدافع عن الحقيقة التي لا تحتاج منك إلى أي دفاع، بل أنت تدافع عن ماهيتك، أو عن الوهم الذي لديك حول نفسك.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي