آفاتُ اللسان

🖋️إن حفظ اللسان من التفوه بما لا يليق بالمسلم من مكارم الأخلاق وسموها .

وقد ‏دعى الإسلام المؤمنين إلى حفظ ألسنتهم ، وصونها عن الكلام فيما لايجوز أو لايصح أو لايليق ، وحذرهم من أن يوردهم اللسان موارد الهلاك إن هم لم يحفظوه كما ينبغي له.

فاللسان يقود صاحبه في بعض الأحيان إلى الهلاك ، فالواجب الحذر من شره ، والتحرز منه وإمساكه إلا في قول الخير كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت “.

ومن صفات العبد المسلم الحرص على عفة اللسان في الخوض بما لا ينفعه في دينه ودنياه ، وأن يلهج لسانه بذكر الله جل وعلا لقوله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ».

والإنسان مسئول عن كل لفظ يخرج من فمه وينطق به لسانه حيث أنه مكتوب عليه ومحاسب عنه لقوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.

وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه : “والذي لا إله غيره ، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان “.

ومما يتصف به عباد الله المؤمنين حفظ ألسنتهم من الخوض في أعراض الآخرين ، ويبتعدون كل البعد عن التفوه بآفات اللسان وعن اللغو في الكلام ، قال الله -عز وجل- في وصفهم : {وإذا مروا باللغو مروا كرامًا}.

ومن آفات اللسان التي يجب الحذرُ منها والوقوع فيها :

-الغيبة: وهي أخطر أمراض اللسان ، وقد نهانا الله -سبحانه- عن الغيبة، وشبَّه من يغتاب أخاه ويذكره بما يكره، ويتحدث عن عيوبه في غيابه، كمن يأكل لحم أخيه الميت، قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم }.

ورحم الله الإمام الشافعي حين قال:

وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

-النميمة: هي نقل الكلام على وجه الإفساد بما يوغل القلوب ويقطع الصلات ويذهب بالموده ، وهي من عظائم الذنوب ومِن أسباب البغضاء والشحناء بين المسلمين، قَالَ الله تَعَالَى:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِين هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } .
وفي حديث حذيفة رضي اللّه عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يدخل الجنة قتّات”.

‏وقال الإمام ابن حزم -رحمه الله- في كتابه “طوق الحمامة” : (ص١٧٣) :
“‏إن النّميمَة لطَبعٌ يَدل على نَتَن الأصل ،
‏ورَداءَة الفَرع ، ‏وفسَاد الطبع ، ‏وخبث النشأة ، ‏ولابُد لصاحبه من الكذب ؛ ‏والنميمَة فرعٌ من فروع الكذب ونوعٌ من أنواعِه ، وكلُّ نَمَّام كذاب”.

-الكذب: وهو رذيلة محضة وآفة من آفات اللسان تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها ، وهو من صفات المنافقين ولذلك حذر الإسلام منه ونهى عنه كما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” آية المنافق ثلاث – وذكر منها – : إذا حدث كذب “.

‏لا يكذبُ المرءُ إِلا من مهانتِه
‏أو عادةِ السوءِ أو من قلةِ الأدبِ

*****

‏لَبعضُ جيفةِ كلبٍ خيرُ رائحةٍ
‏من كذبةِ المرءِ في جدٍّ وفي لعبِ

السب والشتم: وهما صفتان مذمومتان في الشرع ولا أدل على ذلك من قوله ﷺ: “سِباب المُسْلِمِ فُسوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ”.

وأصفَحُ عن سِبابِ النَّاسِ حِلمًا
‏وشرُّ النَّاسِ مَن يهوى السِّبابا

السخرية والاستهزاء: وهي النظر بعين النقص والإستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

قال إبراهيم النخعي (إني لأرى الشيء أكرهه؛ فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله).

إفشاء السر: إن إفشاء الأسرار آفة من آفات اللسان وصفة من صفات المنافقين ، وقد حرمها الشرع لأنها تؤدي إلى الضرر، وتعتبر من الخيانة في حفظ الامانة وعدم الوفاء والإسلام ينبذها ، لقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

وثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة لرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سرها “.

والسنة النبوية أوصتنا بقضاء حوائجنا
‏بالكتمان لقضاء المقاصد وعدم تعطلها


‏وقد قيل ..

‏إذا ضاق صدر المرء من سره
‏فصدر الذي يستودع السر أضيق

-المِراء : وهو الطعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار النفس عليه .
وقد نهي عنه لما ثبت من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا “.

وقال لقمان : (يا بنيَّ، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يصاحب الصالح يغنم).

الجدال والخصومة: والغرض منهما إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه .
وإنّ كثرة الجدال سبب في الفجور في الخصومة واستمراء الكذب والظلم ، لكونهما المماراة، والمنازعة، التي تثير الشر، وتوقع العداوة.
قال تعالى: “وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” .
وينبغي للمسلم أن يجتنب الخصومة ولسان حاله يقول :

قالوا سكتَّ وقد خوصمتَ قلتُ لهم
إن الجوابَ لِبَابِ الشَّرِّ مفتاحُ

والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ
وفيه أيضاً لصون العرض إصلاحُ

أما ترى الُأسْدَ تُخشى وهي صامتةٌ
والكلب يُخسى لعمري وهو نباحُ

وختاماً فاللسان والكلام نعمة عظيمة ، يجب أن يستعملها الإنسان في طاعة الله وكثرة الدعاء والذكر لما ثبت من حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه: “أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت عليَّ فأخبِرني بشيءٍ أتشبَّثُ به قال : لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ اللهِ”.

فاللسان من أهم الجوارح التي ينبغي مراعاتها وحفظها من الوقوع في آفاتها .

وما أجمل ما قال الإمام الشافعي في ذلك:

لسانكَ لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ
‏فكلكَ عوراتٌ وللناسِ ألسنِ

🔘 إضاءة:

‏قال الفضيل بن عياض رحمه الله:

“لا حج ولا جهاد ولا رباط أشد من حبس اللسان”

مقالات سابقة للكاتب

15 تعليق على “آفاتُ اللسان

الأستاذة ياسمين العنزي

‏الصّمت عن فضول الكلام؛ عبادة وقربة، وهي عبودية تمثل بها الأنبياء الصالحون، ولهذه العبودية شأنٌ عظيم في حفظ أعمال القلوب، فمن حفظ لسانه؛ حفظ الله عليه إيمانه، ومن أعجب آفات اللسان؛ أنّ لها حلاوة تزيد مرض القلب ووهنه وصاحبه لا يشعر، “وهل يُكبّ الناس في النار إلا على حصائد ألسنتهم”!

أحمد المالك

‏العبارات الكريمة في عُذوبة الألسن لها وقعها ، “يعطيك العافية” في ذورة الانشغال تترك أثرًا ، “الله يسعدك” في خضمّ التّفاصيل تربو لذّتها ، “شُكرًا” في وطأة المشقّة احتفاء بالجهد ، “الله يرضيك” في نبرة المودّة تورّث رِضًا ، و”الله يهنّيك” في غمرة البهجة تبارك السّرور وتضاعفه.

الأستاذ ماجد بخش

‏آفات اللسان تحرم الإنسان خير الدنيا والآخرة .. والله أنك تستغرب وتسأل الله المعافاة والعافية عند رؤية من يسب ويلعن ويستهزئ ويستمرئ النطق بفحش الكلام وأخبثه وأردءه وأسفله ولا يملّ تكراره حتى صار بعدد زفرات نفسه ولا يبالي به ولا يبالي بما يراكم على ظهره من أوزار لا تخفى على الحسيب الرقيب سبحانه، ولا يتنازل عن حقه تجاهها يوم الحساب كثيرٌ من الخلق الذين ابتلوا بتلقي وسماع ذلك السّفه صابرين محتسبين عند الديّان نعمَ الوكيل.
‏وقد تدهور الأمر للأسوأ فما كان سابقاً يقال في المجالس ويسمعه عشرةٌ، صار الآن يذاع في الآفاق كتابةً وصوتاً وصورةً وتزكم رائحته الملايين، ولا زال ملقيها لا يبالي.
والأدهى والأمر، تمضي الأيام والسنين بما فيها من مواسم خير وأيام اتعاظ ورمضان وغيرها، ولا زال هذا محروماً حتى من نقرة يحذف بها إساءته ويواريها عن الناس ويخجل عنها، وكأنه يثبت الأيام لم تزده إلا عناداً وكبراً وعزّة بالإثم .
فاللهم نعوذ بك من مثل حالهم امين ..

الدكتورة حصة المطيري

‏ومن أعظم آفات اللسان أن يستعمله صاحبه في معصية الله؛ من السب، والشتم، والقذف، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الفاجرة، والغيبة، والنميمة.

فهد الكندري

‏على المؤمن أن يحفَظ لسانه وأن يعوده على النطق بالخير ، فليس يدخل النّار أكثر من حصائد الألسن..

الدكتور خالد الخشلان

‏خذ بوصية النبي ﷺ
‏( لا يزال لسانك رطباً بذكر ﷲ )
‏فإشغال اللسان بالذكر والتسبيح والاستغفار ، يحول دون اشتغاله بما لا يفيد أو بما يضر . فضلاً عن عظيم الأجر المترتب على ذلك، وأثره على طهارة القلب وطمأنينته، وحياته .

المعلمة سميرة النفيعي

‏من آفات اللسان : الاستهزاء والسخرية بالناس، وتتبع عثراتهم، والبحث عن عوراتهم، والتندر بذلك، وانتقاصهم، والضحك منهم، قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) يعني الذي يزدري الناس وينقصهم قيل: الهمز بالقول، واللمز بالفعل، توعده الله بالويل وهو كلمة عذاب، أو واد في جهنم .

الأستاذ عمر السعدان

‏بذاءة اللسان
‏الدليل الأعظم/ على سوء الإنسان!
‏لا تعتذر بأنك فيك:
‏سُكر، أو ضغط، أو عندك ظروف، أو أنك عصبي وقلبك طيب!
‏قال ﷺ راداً هذا الكذب:
‏(ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم= «لسانه»)
‏اللسان يكشف الإنسان:
‏فالمواقف تكشف = السوس تحت الضروس!
‏والإنسان الطيب إذا ضُغِط بالمواقف!
‏= تخرج حقيقته!
‏أليست الفاكهة الحلوة ..
‏إذا ضُغطت يخرج منها السكر؟!
‏ولن يخرج منها حنظلاً
‏إلا إذا كانت هي حنظلاً !
‏إن الكرام وإن ضاقت معيشتهم
‏دامت فضيلتهم والأصل غلّابُ

أمل سعد الدين

ومن أعظم آفاته أي “اللسان” كما ذكرت الكاتبة القديرة في هذا المقال الناصح أن يستعمله صاحبه في معصية الله؛ من السب، والشتم، والقذف، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان الفاجرة، والغيبة، والنميمة، وغير هذا من آفاته، فعلى العبد أينما كان أن يحذر من الوقوع في ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا وقد قيل : “لسانك حصانك .. إن صنته صانك ..”.

الأستاذة إبتهال فطاني

‏عند قراءتي لهذا المقال الرائع للكاتبة المبدعة الأستاذة منى الشعلان لفت نظري أن خطورة اللسان وما ينجم عنه من آفات وسقطات إن لم نتداركها فيخشى على الواحد منا الوعيد المترتب عليها .

الدكتور مشعل الفلاحي

‏إذا كان لسانك يلغ في عباد الله تعالى صباح مساء، ولا تشعر بأسف على واقعك؛فذلك من النسيان!
‏﴿وَلا تَكونوا كَالَّذينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنساهُم أَنفُسَهُم أُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ﴾ [الحشر: ١٩].

الأستاذة أماني السعيد

‏كثيرا من الذنوب إنما تأتي من آفات اللسان!
‏كذب
‏سب
‏لعان
‏غيبة
‏نميمة
‏شتم
‏تنابز
‏سخرية
‏ذو الوجهين
‏شهادة الزور
‏القذف
‏وفي الحديث:” وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم”.
‏ومن جاهد نفسه على حفظ لسانه فقد أفلح والله!

رجاء البرقاوي

‏أجمل العطور ليس ما تنثره على جسدك وملابسك ؛ بل ما يخرج من ثنايا حروفك وطرف لسانك ليعطر خاطر غيرك ؛ ‏العطر كلمة طيبة
‏وإحساس صادق .

الدكتور عبدالله العمري

‏اللسان مصدر من مصادر إشعال الفتنة بين الناس ، وآلة هدم ، إن لم يضبطه صاحبه بضابط الأخلاق والقيم والحياء ، ويلجمه بلجام السكوت ، وقد أحسن القائل :
‏ما إن ندمت على سكوتي مرة
‏ولقد ندمت على الكلام مرارا

الأستاذة سامية المالكي

‏اللِّسان الجميل نِعمة، أن تُفكّر ألف مرة خوفًا من أن تُحزن إنسان بِكلمة نِعمة، أن تأخُذ في اعتبارك اختلاف الناس والآراء نِعمة، أن تُهذّب لسانك وتضع حدودًا لكلماتك وتصرفاتك نِعمة.. اللهُم اجعلنا خِفافًا، واجعل ألسِنتنا خفيفة، فطيبُ الكلام والفعل كنزٌ في هذه الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *