فسرت معلمتي «والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس»، وربطتها بشهقة الفرح التي نطلقها عند عودة النور حال انطفاء الكهرباء، فكانت بداية إشراقة الروح.
أمي، صاحبة الإرادة الصلبة، لم تكل يوما من تعليم عمالة المنزل اللغة العربية، تحدثهم وتوجههم كما لو كانت تخاطبنا نحن. كانت تزجرنا إذا استخدمنا لهجتهم، حتى إن مدبرة المنزل أتقنت العربية المحكية، وأصبحت تردد الأمثال الشعبية على طريقة أمي.
حصص الإنشاء كانت مسرحي، هناك بدأ قلمي يتعلم الخطو على السطور، حتى احترف السير بثقة على خارطة الكلام.
في المرحلة الجامعية، اخترت بلا تردد قسم اللغة العربية برغم الخيارات المفتوحة أمامي، وسط شيء من استغراب قريناتي، وكنت أردد: «نحن في قسم اللغة العربية نرفل في ديباج الأدب وجماليات لغة القرآن».
صديقتي الأوروبية تكثر من سؤال: كيف حالك؟ حتى تستمع لي وأنا أقول: «الحمد لله، في فضل من الله». حتى إنها عندما اعتنقت الإسلام كانت جاهزة لتقول لكل من تلتقي به: «الحمد لله، أسلمت بفضل من الله».
ابنة صديقتي عندما سمعت لفظ «غير رائق» من جارتهم سألت أمها: «ماما، لماذا تتحدث جارتنا بالطلاسم؟»، وتقول عن زوج أختها «غير رائق». ذلك اللفظ اللطيف الذي استخدمه أسلافنا تأدبا للحديث عن الشخص المريض بمرض نفسي وما شابه.
أبنائي استطعت أن أجعل بينهم وبين المعجم علاقة صداقة، وكلما أشكل عليهم معنى اتجهوا إليه وأخذوا يبحثون متفاخرين بحصولهم على المعاني المختلفة للكلمة؛ لدرجة أني كنت أدعي الجهل لأرى فرحتهم باكتشاف المعنى.
ومضة:
تشرق كلماتها في روحي كلما أمسكت بالقلم، وأخذت الكلمات تنساب كالنهر، تحمل في طياتها قصصا وأحلاما، وروحا متجددة من جمال لغتي وعراقتها.
✍️ أمل أحمد عطية
مقالات سابقة للكاتب