رحم الله والدي الشيخ سالم بن بتيع فقد دخل على مدير كهرباء المنطقة الغربية بكر خشيم ومعه مجموعة من مشايخ المنطقة ، وعند دخوله قام وأغلق تكييف المكتب ، عندها إلتفت اليه بكر خشيم وسأله لماذا أغلقت جهاز تكييف المكتب ياعم ؟ ، فرد عليه بقولة ” لقد بحت أصواتنا ونحن نطالب بالتيار الكهربائي ولم يلتفت لنا أحد وأحببت أن تعيش جزء من المعاناة التي نعيشها نحن وأطفالنا ولو لدقائق معدودة”.
كان – يرحمه الله – يرافقه في ذلك الوقت الشيخ زيدان بن عويضه على ما أذكر وعدد من أعيان ومشايخ وادي ستارة أثناء مطالباتهم بخدمة الكهرباء والتي كانت معدومة في ذلك الوقت قبل حوالي 25 سنة ، وقد توفى غالبية ذلك الجيل “عليهم رحمة الله ” ولم ينعموا بالتيار الكهربائي الذي أُدخل في المنطقة مؤخراً .
لقد تذكرت ذلك الجيل الذين جاهدوا جهاداً كبيراً وأبلوا بلاء حسناً في خدمة المنطقة وخدمة سكانها خلال عقود من الزمن ، في وقت انعدمت فيه الطرق المعبدة وقلّت فيه وسائل النقل إلا أنهم كانوا يمتلكون العزيمة القوية ، حيث كان همهم خدمة المنطقة والسعي لتطورها وتميزها فلم يبحثوا عن الأضواء والألقاب ، بل كان همهم خدمة المنطقة والسعي في جلب المطالب الضرورية لها من ولاة الأمر ، فكانوا يمضون الأسابيع والشهور بعيداً عن أسرهم وهم يتنقلون بين مدن المملكة يتابعون طلبات فتح مدرسة أو شق طريق أو بناء مسجد.
تذكرت ذلك الجيل الذهبي بعدما شاهدت التسابق والتصارع على التسمي بالألقاب التي ظهرت مؤخراً فيما بيننا ، فأصبح كل شخص منا يبحث عن لقب يزين به اسمه لكي يميزه عن غيره ويصبح ممن يشار إليهم بالبنان ، فهذا فخر القبيلة وهذا زعيمها وهذا أميرها وهذا وجيهها وهذا وزيرها وو .. إلخ ، كأن الواحد منا لا تكتمل رجولته إلا بلقب يزين به اسمه ، فما هو السبب الذي جعلنا نلهث وراء هذه الألقاب ونتشبث بها ونتسابق في البحث عنها والتسمي بها بل ونتصارع عليها ؟! ، هل هو ضعف في الثقافة ؟ أم نقص في الشخصية ، أم تقليد لمجتمعات أخرى .
علينا أن نتعلم درساً من أولئك الرجال الذين لازالت ذكراهم تتردد في المجالس بين الحين والأخر ولم يبحث أحدهم عن لقب يتسمى به و إنما جهدهم الذي قدموه وخدمتهم لأبناء قبائلهم ومجتمعهم ووطنهم هو الذي خلد ذكراهم ، فلم يبحثوا عن ألقاب أو بريق إجتماعي ، إنما أفعالهم هي التي تحدثت عنهم فساهموا في فتح المدارس وشق الطرق وبناء المساجد وحفر الآبار وفتح المستوصفات وجلب المصالح لأبناء مجتمعهم فسلطت عليهم الأضواء نتيجة ما قدموه من جهد وخدمة خلدت أسمائهم عقوداً طويلة من الدهر .
ومنهم من قدم خدمات جليلة وكان يحرص أن تكون خفيه ليبتعد عن الظهور والأضواء طالباً الأجر والمثوبة من الله ، فمنهم من هو موجود حتى الآن ومنهم من انتقل للدار الآخرة .
ويعلم الله أنمي أكن التقدير والاحترام لكل أبناء مجتمعي ولا أقصد أي شخص بعينة ، ولكن لابد من وضع حد لهذا الانفلات والتسابق على هذه الألقاب الذي تجاوز حده وأثر في علاقاتنا وخلق صراع فيما بيننا ستكون له نتائج عكسية في الأجيال القادمة .
لماذا لا نتفق على أن لانطلق هذه الألقاب إلا على من يقدم أو يساهم في تقديم خدمة غير عادية لأبناء مجتمعه ؟ ، لماذا لانطلق هذه الألقاب على من يساهم في فتح مدرسة أو حلقة تحفيظ أو يدعم بماله في بناء المساجد أو فتح الطرق أوبناء منازل للمحتاجين أو خدمة المنطقة وأهلها بخدمات تعود عليهم بالفائدة ، حتى ينعكس ذلك على المنطقة ويكون هناك تسابق وتنافس لخدمة المنطقة وتنميتها .
لقد أشغلت هذه الألقاب المجتمع فاشتعل الصراع من خلال المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي هجوماً على بعضنا البعض بين متعصب لهذا وذلك ، فنشأ مع الأسف الشديد خلاف وصراع أدى الى قطع للأرحام و أواصر القربة ونشر الكراهية.
فهذا الداء الذي انتشر فيما بيننا تجاوز حده وأصبح هناك حاجة ماسة إلى وقفة حاسمة وحازمة من العقلاء وأهل الفكر ، والحل والعقد بإعطاء هذا الجانب اهتمامهم وتوعية مجتمعهم من هذا الخطر لما في هذه المهاترات من ضرر بالوحدة المجتمعية واللحمة الوطنية ومساهمة في التحزب ونشوء الصراع والفرقة وقطع الأرحام و إشغال الناس بما لا فائدة فيه .
فيجب علينا الوقوف وقفة رجل واحد لخدمة مجتمعنا ومنطقتنا كلاً بجهده وحسب استطاعته ، وتشجيع شبابنا على العلم والبحث العلمي والحصول على أعلى الشهادات العلمية و إبعادهم عن التحزب لهذا وذاك.
يجب علينا غرس حب العمل التطوعي و بذل الجهد في خدمة أبناء مجتمعنا في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والتربوية والدعوية والاغاثية والخدمية ، وتفريغ طاقات شبابنا فيما يفيد ، وأن تكون لهم بصمة في هذا المجال بعيداً عن اللهث وراء ألقاب فارغة ليس لها وجود في الواقع سوى بريق يشبه السراب الذي لا يروي العطش … “وسلامتكم “.
سلمان السلمي
مقالات سابقة للكاتب