صادفت في يوم من الأيام موقف من المواقف السلبية في مجتمعنا ومفاده .. أنه سألني أحد الذين تصلهم ويقرأون هذه الصحيفة الغراء وقال بكل يقين أستحلفك بالله أن تصدقني القول ، من الذي يكتب لك هذه المقالات فتعجبت كثيراً بل وأخذ العجب مني كل مأخذ ولا أريد هنا أن أشرح مادار بيننا بعد سؤاله الغريب ذلك ، فنحن لسنا بصدد مناقشة مادار ولكن نحن نحاول من على هذا المنبر أن نعالج سلبيات يعلم الله أنها تنخر في المجتمع كالسوس أو كـ فئران السفينة ، وأتسائل هنا ما الذي دفع هذا الشخص أن يسأل مثل هكذا سؤال ؟
وقبل الإجابة أقول .. أعلم أنني من الناس الذين لا يهتمون كثيراً بمظهره الخارجي ، وقد أكون على خطأ وقد أكون أسير عكس التيار في هذا الزمن الذي أصبح الناس فيه يحكمون على المرء بمظهره الخارجي دون أن يتعمقوا في جوهره ، ولكن هذه قناعاتي وما أظنني قد ارتكبت جرماً بقناعاتي هذه ، وأنا أسير على القاعدة والحكمة التي تقول (المرء بأصغريه لسانه وقلبه) .
فهل يعني حينما لم أهتم بهندامي الخارجي أنني خالٍ من الداخل ولا أحمل أي فكر يستطيع أن يخط بضع كلمات !
وأنا هنا لا أدعي العلم والمعرفة أبداً معاذ الله أن أدعي ذلك وأعرف حدود نفسي وما أنا عليه وأعلم يقيناً أنني مازلت تلميذاً أتعلم من غيري ممن اعتبرهم من فطاحلة العلم والمعرفة ، فهل لأنني لم أهتم كثيراً بهندامي ومظهري يكون سبباً لعدم مقدرتي على فهم أو كتابة أسطر قليلة قد تفيد من يطالعها ويقرأها في الصحيفة (مالكم كيف تحكمون)!
والشيء بالشيء يذكر هنا استحضر أحد عمالقة الأدب في عصرنا الحاضر ذلك العملاق هو الشاعر الضرير اليمني “الأستاذ عبدالله البردوني” – رحمه الله تعالى رحمة ً واسعة – فقد كان هذا الشاعر الكبير الذي نال من الأوسمة ما إذا رآها قصار النظر لحسدوه عليها ، كان ذلك الشاعر لا يهتم أبداً بهندامه حتى ليظنه من رآه أنه أحد المستضعفين الذين يتصدق الناس عليهم لفقرهم وفاقتهم ولكن إذا تكلم فالكل ينصت في سكون كأن على رؤوسهم الطير مما ينطق به من الحكم والحكمة ..
ولقد حدثني أحد أعيان هذه المحافظة وقال لي ” كنت في مقتبل عمري قد حفظت بعضاً من سور القرآن الكريم فأخذني الفخر بذلك وفي ذات يوم أحببت أن أستعرض بحفظي أمام بعض العمال من إخوتنا – أظنه قال من الجالية الصومالية – فقلت له اسمع أنت .. هل تعرف أن تقرأ القرآن وكان يدور في خلدي أن مثله لا يمكن أن يجيد قرآءة السور التي أحفظها ، ولكن صدمت حينما بدأ يرتل من طوال السور بصوت شجي وتجويد عجيب فوالله لقد تمنيت أن أغوص تحت الأرض أو أتصعد في السماء مما داخلني من الخجل من نفسي ، وتعلمت حينها وكان درس لي عظيم أن لا أحتقرن أحداً من الناس وأن أرى نفسي صغيراً أمام أي إنسان مهما قل شأنه وتعلمت أن لا أحكم على الشخص بظاهره أبداً “، ولقد أكبرت حقيقة هذا الرجل حين حدثني بهذه القصة بل زاد تقديري له لأنني علمت أنه رضخ للحق وأذعن له.
وفي الختام أترك لكم أنتم أن تجيبوا عني على سؤال الشخص الذي استحلفني وكله ثقة أنني لا يمكن أن أصل إلى المستوى الذي أسطر وأكتب ولو بضعة كلمات في صحيفة ، أترك لكم الإجابة عني ،وتحياتي للجميع .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب