🖋️إنه صاحب النبي ﷺ الذي صدقه يوم أن كذبه الناس ، ورافقه في الهجرة ، وزوجه ابنته ، وكان الرجل الأول في الإسلام ، وأول الخلفاء الراشدين واحد العشرة المبشرين بالجنة وأول من جمع القرآن ، وأول خطيب دعا إلى الله ورسوله ﷺ فأسلم على يديه أكابر الصحابة، ومنهم: عثمان بن عفان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة، رضي الله عنهم أجمعين..
وقد كان أبي بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه من أكثر الصحابة حرصًا وتنويعًا في العبادات لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ : ((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن تَبِعَ منكم اليوم جنازة؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟))، قال أبو بكر: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخل الجنَّة)) .
واسمه : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي ، ويلتقي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جده السادس مُرَّة ، ويكنى بأبي بكر .
ولد عام الفيل في مكة المكرمة ، بعد مولد النبي ﷺ بعامين وأشهر.
وهو من أثرياء قريش في الجاهلية ومن أشرافهم ووجهائهم وأحد رؤسائهم وساداتهم .
سبب لقبه بالصّدّيق :
وقد لقَّبه به النبي ﷺ وكان قد صعد جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي اللّه عنهم ، فرجف بهم الجبل فقال النبي ﷺ : «اثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»، وأما سبب تسميته بالصديق فهو لكثرة تصديقه للنبي ﷺ ، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : لما أسري بالنبي ﷺ إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك ، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعى رجال إلى أبي بكر ، فقالوا: «هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليلة إلى بيت المقدس»، قال: «وقد قال ذلك؟»، قالوا: «نعم»، قال: «لئن قال ذلك فقد صدق» قالوا: «أوتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس ، وجاء قبل أن يصبح؟» قال: «نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة» فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
إِذا تَذَكَّرتَ شَجواً مِن أَخي ثِقَةٍ
فَاِذكُر أَخاكَ أَبا بَكرٍ بِما فَعَلا
*****
خَيرَ البَرِيَّةِ أَتقاها وَأَعدَلَها
إِلّا النَبِيَّ وَأَوفاها بِما حَمَلا
*****
وَالثانِيَ الصادِقَ المَحمودَ مَشهَدُهُ
وَأَوَّلَ الناسِ مِنهُم صَدَّقَ الرُسُلا
كما لُقّب بالصاحب لإجماع العلماء على أنه المقصود بالصاحب في الآية الكريمة {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} ، ولُقّب أيضا بالأتقى ، وقيل إنه المقصود بقوله تعالى في الآية {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى} ، ولقب بالأواه لخشيته ورحمته.
ولُقّب أيضا بالعتيق ، وتختلف الأقوال في سبب ذلك ، وقيل إن أمه كانت لا يحيا لها طفل ، فلما ولد أبو بكر -رضي الله عنه- استقبلت به البيت وقالت “اللهم إن هذا عتيق من الموت فهبه لي”.
وكان الصديق -رضي الله عنه- سباقاً لكل خير ، فقد كان من أشجع الناس في حماية النبي ﷺ ودفاعه عنه ، وكان منفقا مناصرا لضعاف المسلمين المعذبين في مكة، وكان عتّاقاً للرقاب ، فاشترى بلال بن رباح -رضي الله عنه- وأعتقه ، وانتهج هذه السياسة لإعتاق العبيد والإماء ممن أسلموا ، فأعتق سبعة كلهم ممن عُذّبوا في الله.
وقد حظي أمير المؤمنين أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بمكانة خاصة في الإسلام وعند النبي ﷺ لقوله عليه الصلاة والسلام قبل وفاته “كان لي فيكم إخوة وأصدقاء ، وإني أبرأ إلى الله أن أكون اتخذتُ منكم خليلاً ، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ، وإن ربي اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا”.
ومن مواقفه رضي الله عنه :
-قتال أهل الردة ومانعي الزكاة :
وقوله رضي الله عنه في ذلك : “والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالاً كان يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه”.
-تنفيذ جيش أسامة بن زيد :
قبل وفاة النبي ﷺ أعد جيشاً بقيادة أسامة بن زيد لقتال الروم ، لكن النبي ﷺ مرض أثناء ذلك ، فعسكر الجيش بالجرف شمال المدينة.
ولما تولى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الخلافة اقترح عليه بعض الصحابة أن يبقي الجيش ، لكنه أصر على استمرار الحملة العسكرية المتجهة إلى الشام ، وهزم المسلمون الروم في تلك المعركة.
-قتال مسيلمة الكذاب :
وكان مسيلمة أشهر من ارتد بعد وفاة النبي ﷺ وادعى النبوة ، فبعث أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- جيشاً لقتاله في اليمامة بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه ، فحاصرهم المسلمون أياماً ثم قتل مسيلمة.
-جمعه للقرآن الكريم :
بعد أن استشهد الكثير من الصحابة في قتال مسيلمة في اليمامة خشي عمر رضي الله عنه أن يذهب القرآن باستشهاد القراء ، وأشار على أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما – بجمعه ، فقال الصديق رضي الله عنه “كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ﷺ ؟”.
فراجعه عمر رضي الله عنه في ذلك حتى وافق ، وأمر زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بتتبع القرآن وجمعه ، وكان زيد -رضي الله عنه- كاتب وحي النبي ﷺ .
-موقفه رضي الله عنه عند وفاة النبي ﷺ :
لما أعلن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي ، جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه من السنح ( أي العوالي ) ، فكشف عن وجه رسول الله ﷺ فقبل بين عينيه وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً.
وغطى أبو بكر رضي الله عنه رسول الله ﷺ ، ثم قام فصعد المنبر ، فقال: «من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت».
قال تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}.
فنشج الناس يبكون ، وخرج أصحاب رسول الله ﷺ في الشوارع يرددون هذه الآية ، يقول أنس رضي الله عنه : « وكأننا لم نسمعها إلا في ذلك الوقت ».
وقد توفي أبو بكر الصديق -رضيَ الله عنه- بعد عامين من وفاة رسول الله ﷺ ، وذلك في شهر جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة للهجرة ، وكان عمره ثلاث وستين سنة ، وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر ، وقد مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما يقارب خمسة عشر يوماً ، وتوفي على إثر ذلك ، وروى بعض الصحابة أنّه مات حُزناً على رسول الله ﷺ ، فقد ظلّ حزيناً طيلة المدّة التي عاشها بعد صاحبه ونبيّه ﷺ ، حتى تعب جسده من شدة الحزن فمات رضي الله عنه ، وقام بغسل أبي بكر الصديق -رضيَ الله عنه- عند وفاته زوجته أسماء بنت عميس الخثعمية ؛ بوصية منه ، وشاركها في ذلك ابنه عبد الرحمن، فقد كان يصب على جسد والده الماء رضي الله عنهما .
وحُمل أبو بكرٍ على السرير ذاته الذي حُمل عليه رسول الله ﷺ حين مات ، أمّا من صلّى عليه فقد كان صاحبهُ عمر بن الخطاب -رضيَ الله عنه- ، ودُفن إلى جانب قبر صاحبه محمّد ﷺ في حجرة ابنته عائشة -رضيَ الله عنها- ، وكان قد أوصى بذلك ، وجعل الصحابة لحد أبي بكر ملاصقاً للحد النبيّ ﷺ ، وقد نزل قبره عمر ، وعثمان ، وابنه عبد الرحمن رضيَ الله عنهم وأرضاهم .
وقد رحل من صحب النبي ﷺ منذ أسلم حتى توفي رضوان الله عليه ، ومن كان رفيق هجرته ورفيق غزواته ورفيق دربه في الحضر والسفر ، ومن ترك أهله وعياله وماله رغبة في مصاحبة النبي ﷺ ، رضوان الله تعالى عليه .
🔘 إضاءة :
قال الإمام ابن القيِّم – رحمهُ الله – :
” الفِراسة الإيمانيّة سببها نورٌ يقذفه الله في قلب عبده ، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل ، والصّادق والكاذب وهذه الفِرَاسَة على حسب قوّة الإيمان ، وكان أبو بكر الصِّدِّيق أعظم الأمّة فِرَاسَة “.
كتاب “مدارج السَّالكين” (٤٥٣/٢).
✍️ منى الشعلان
١٦ شوال ١٤٤٦هـ
مقالات سابقة للكاتب