قراءة في الذاكرة
علق تاريخ (خليص) بين المكان والشخوص . وتناوب هذان العاملان – المكان والشخوص – على حجب الحركية التاريخية ، ومسارات النهوض ، وتفاعل القبائل ، وتكريس وجود موازي لاعلاقة له بالبنى الحضارية ؛ فلم يعد ( خليص ) في الكتابة التاريخية والمقروء سوى محطة في طريق الهجرة ، ومعلومات مبثوثة في المعاجم ، وكشوفات الرحالة في طريق عبورهم للراحة أو الاستكشاف .
وماجاء في كتب المعاصرين – على سبيل المثال : مبارك محمد المعبدي ، ومحمد علي الشيخ إلا إحالة لتلك المصادر .
تقف على حواف الثابت والمتداول ، تغريها السهولات عن المرتقى الصعب ، أو تمر مرور الكرام كمثل منجز الدكتور مبارك محمد المعبدي : مقتطفات من تاريخ خليص في الماضي والحاضر ( ١٤٠٧ – ١٤٠٨ ) ويدل العنوان على أن صاحبه أراده كشافا ودليلا ، يفتح للباحث فضاء الكتابة .
وللإمانة العلمية نضيف كتاب ( محافظة خليص – دراسة تاريخية في التراث الحضاري والاجتماعي – الذي تولت جمعه وإعداده اللجنة الثقافية في محافظة خليص سنة ( ١٤٢٢ ) هجرية بإشراف محافظ محافظة خليص – آنذاك – الأستاذ / عبدالرحمن نوار الحربي ؛ لكنه بقي سجين ( الأدراج ) في مكاتب النخبة كصناعة ترفيهية ، صدرتها المجاملات!!!
وبقي ( خليص ) مكانا تحت هذا النمط من الكتابة وما تولد عنه من أنساق ثقافية : تبناها المنشغلون بالقبلة الواحدة في اطروحاتهم ؛ حتى أصبح المقروء من تاريخ خليص كمثل المحفوظات من الشعر الجاهلي .
وهذا المتعلق بالمكان أدى إلى اشتقاق في الإسم ( خليص ) غير يقيني لا يستند إلى توثيق مرجعي سوى توظيف الحالة واستعطاف اللغة – سمي خليص ” لأن القوم إذا دخلوا به استراحوا وتخلصوا من مشقة الرحلة ” وهذا المعنى استله الرواة من وصف : عبدالقدوس بن عبدالقادر الأنصاري الجزيري من مصنفه ( درر الفوائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكه المعظمة : يقول ” وخليص فضاء واسع كثير الأنس وبه حصن على جبل ومزروعات وخضر وبطيخ وبعض العنب والليمون … وخليص من المنازل التي أشرق في تباشير الرياح صباحها وطاب بنزولها المقبل والمراح فعم برها وصلاحها وتزود من صوبها وصيبها مالاح عليهم فلاحها .
ومنح الله تعالى بها وفده من عيونها الصافية زلالا غدقا ومن أعنابها وبطيخها ماطاب غذاء وحسن مرتفعا . وقد [خلص] فيها الوفد من مشقات عقبة السويق ومقاسات شدة الهول بنزولها مالا يتحمل الحيوان شدته ولا يطيقه ” وإذا ماعرفت : أن الجزيري توفي سنة ٩٧٧ هجرية وعلمت بأن أول من ذكر اسم ( خليص ) الوزير عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي – صاحب معجم مااستعجم نقلا عن كلام صاحب المناسك من اهل القرن الثالث الهجري حيث قال وهو يعدد مراحل الحاج بين مكة والمدينة ” من قديد إلى خليص عين أبي بزيغ التي تبعد سبعة أميال وكانت عينا ثرية عليها نخل وشجر ” ولم يشر إلى علة الإسم / زالت عنك شبهة توثيق الإحالة واستقامة الاستنتاج .
وإذا ما المكان استأثر ب( خليص ) في بعده التاريخي ؛ فقد نازعته عائلاته ورجاله على صناعة الأزمنه ، وأصبحوا واجهات اعلامية ، وعناوين المكان وبريد رسائله ؛ حتى أن خليص ( المكان ) توارى خلف هذه الشخصيات القابضة على حلق المكان دون فسحة للتاريخ أن يتحرك لفك الإشتباك بين تاريخيته القديمه وأنانية شخوصه .
وبقي (خليص) منسيا في ذاكرة الجيل ؛ وبمعنى أدق مؤجلا حتى تهيئ له الظروف : من يكتب روايته كاملة ، ويوثق فترات زهوه على كل المستويات الزراعي والإقتصادي والإجتماعي والتعليمي والثقافي والسياحي . ومنطقة جذب للمستثمرين ، ووجهة لرجال الأعمال – يوم أن كانت تسمى خليص ( مصر الصغيره ) !!!
محمد علي الشيخ
مقالات سابقة للكاتب