قراءة في الذاكرة
أشرنا في المقال السابق للمكان = خليص ، ونعني به الموقع الذي أدخله التاريخ ، وما استتبعه في مخيلة المؤرخين كمحطة في طريق الهجرة ومسالكه ، وتتصل أسبابها بالحجاج والرحالة .
عيّنت خليص نفسه ، ولم نشمله كمحافظة . وللإختيار وجاهته ، فالمشاريع التنموية على اختلاف ماهياتها نشطت داخل حدود خليص الإفتراضية على مستوى العمل الفردي والمؤسسي .
وبتحريك الذاكرة للوراء تجد أمامك مسردا من الأوائل في ( التعليم – الصحة – البلديات – المكاتب الزراعية – الإمارة … الخ .
يلحق بهذا السبب – تعيين المكان – اتساع إمارة خليص = المحافظة حاليا ؛ فليس في قدرة الباحث أن ينصف كل هذه المراكز التابعة لخليص ، وما حظيت به من إسهامات أعادتها إلى واجهة الأحداث ؛ وحتى إن هو حاول فلن يتجاوز التاريخ الوصفي للظواهر والأحداث كما هي موجودة في الواقع دون توثيق وتفسير وتحليل عميق . ذلك أن الكتابة للتاريخ هي مضايفة الحدث للحدث ، واشتباك مع الحركة الخطية في صيرورتها وعبورها .
كانت مركزية خليص حارة المغاربة بثقلها الإقتصادي والنخبة من رجالها . وقبل أن نسهب في تفاصيل هذه المقولة نلفت النظر إلى المسمى = حارة المغاربة ؛ فلم نعرف ( حيا ) على امتداد المحافظة لازمته هذه التسمية وتبناها أهله كمثل حارة المغاربة
. وفي التعريف : الحارة منطقة سكنية معينة ، غالبا ماتكون مألوفة لأهلها ، وتتميز بخصوصيتها وتماسكها الاجتماعي . فإذا ماعرفنا أن مصطلح ( الحي ) يحمل بمفهومه الشامل مضامين أوسع من الحارة ، وأنه منظومة حياة متكاملة يجري تشكيلها لترتقي بالمجتمع وأنماط معيشته : أمكننا أن نقول مطمئنين أن ( الحارة ) أقدم من ( الحي ) في المنشأ والمنشط . وأنها غالبا ماتقوم على وحدة النسب والتجانس وأسلوب المعاش .
ونخلص للقول : أن خليص مغربية عرفت بهم ، وعرفوا بها ، وأن المركز حارة المغاربة ، ومانشأ حولها من الأطراف عشوائيات : أزيل بعضها ، وصودر بعضها لعدم صلاحيته للسكن ، وهجر أهلها البعض الآخر ، وانتقلت الأغلبية لمشاريع الإسكان الجديد . وستبقى خليص مغربية كمثل جدة حضرية ، وستبقى غران صحفية كمثل مكة قرشية !!!
محمد علي الشيخ
مقالات سابقة للكاتب