خليص في التاريخ المنسي (4)

قراءة في الذاكرة

لم تنشأ مشيخات في خليص سوى ( مشيخة العسوم ) برز شيوخ : بعضهم يتكئ على واصلة من شرف لقاء الملك عبدالعزيز ، وبعضهم بدعم من مشيخة آل مبيريك ، وبعضهم بالتوريث ، وبعظهم رأس عائلة .

وهم قامات ومقامات ، وواجهات تحظى بالقبول ، وعلى كفاءة عالية في إدارة شؤون قبائلهم ، وتمثيلها في الدوائر الرسمية .

وقد أشرنا إلى أسماء هؤلاء وتشكيلهم القبلي ، ومواطن نفوذهم ، وحدود سلطتهم عند مقدم الشيخ حسن بن عبدالصمد الشيخ إلى خليص في كتابنا سيرة الشيخ حسن بن عبدالصمد الشيخ – ط١ ( ١٤١٩ – ١٩٩٨ ) جده – ج١ – ص١١٤ – ١٣٠ ولا نرى ضرورة تكراره .

ولم تكن خليص – آنذاك – منفصلة عن ذاكرته ؛ فقد عاش بها جده محيي الدين ووالده الشيخ عبد الصمد فترات زمنية متباعده ومتواصلة، وعاش بها ودفن عمه الشيخ عبدالرحيم وأخوه شاكر ، ولهم بها ملك متوارث .

ونضيف : من المؤكد انه زارها اكثر من مرة … ” لكنه هذه المرة لم يأت ضيفاً ولا زائراً ، أتى ليجد مقاماً مريحاً ، ولم يكن سهلا ومتاحا أنذاك في خليص !!! حيث يستوطن خليص أكثر من تسع عشرة قبيلة : تتوزع أحياءها … ومناشط العمل بها ، ويتقاسم شيوخها كامل الزعامات ؛ بل ويتنافسون … ويقتطع الأكثر حضورا مساحة من صلاحيات الأقل عزوة . وهذا القادم – الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين على أعلى تقدير – قد سبقته لامحالة ظلال شهرة – هي امتدادات في بعضها لأبيه ، وهي امتدادات في بعضها لعائلته ، وهي امتدادات في بعضها لشخصيته التي حوت كل مقومات الزعامة الشعبية في وضوح تدركه عين المراقب من اللحظة الأولى على المستوى البدني والمستوى الذهني ، ومستويات الثقافة الدينية والكسب العملي ، مع ممارسة انتقائية للأعراف … وانفتاح على المتغيرات . وبالتالي لم تفتح له الأبواب دفعة واحدة ؛ بل قوبل بحذر شديد …

ولم تلبث شهرة الشخ حسن بن عبدالصمد الشيخ ” أن تجاوزت حدود المحلي إلى الخارجي من القرى والبوادي والحواضر ، ولم تكن وقتية – شهرة الموقف الواحد ؛ بل كانت من ذلك النوع الذي يلازم العظماء من الرجال ، ويصبح كظله . لا تعنيه التراتبيه والفروق بين العامة والنخبة ، ولا ينشغل بجدولة مواعيد مقابلته .

إن الأدلة على مكانة هذا الرجل ليست فقط شهادات الذين سبقوه او لحقوا به بعد أن عايشوا حياته عن قرب ؛ بل هي شهادات الذين سعدوا بصحبته في اخريات أيامه … وشهادات الذين سمعوا به ولم يروه لبعد المسافة أو لأن الموت كان اقرب وأسبق ؛ فعظمة الرجال تقاس بمقياس الثناء عليهم بعد رحيلهم وتلك هي الحقيقة الأساسية التي نستمد منها مشروعية الكتابة عن الرجال .

خلاصة القول ؛ وليست نهايته :
يمكننا أن نقول مطمأنين : أن خليص دخل مرحلة جديدة من تاريخه بمقدم الشيخ حسن بن عبدالصمد الشيخ ؛ حتى أننا يمكن أن نؤرخ – ماقبل ومابعد – ليس في الشأن المحلي ، وبناء شبكة من العلاقات الإجتماعية فقط ؛ بل تعداه إلى قيام حالة أخذت بأسباب التقدم على كافة الأصعده ، وصاحبها انفتاح على الثقافات الأخرى ، وتغيير في مفهوم ( الشيخة) وفلسفة الإنتماء = من القبيلة إلى المكان …

محمد علي الشيخ

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *