قراءة في الذاكرة
مرت حارة المغاربة بثلاث مراحل حتى استقرت على اسمها المعروف والمتداول في داخل خليص وخارجه .
المرحلة الأولى = النزلة : وهي مصطلح مكاني عرفته ( الجماعات ) في أول استقرارها .
يقول الدكتور سعيد السريحي : ” حين هبط القادمون من وادي ينبع وبواديه الرويس ….. سموا المكان الذي نزلوه ( النزلة ) تلح عليهم الغربة فيستعصمون في نزلتهم بما يسري في دمهم من إرث ، كلما زادت الغربة في ترويعهم ازدادوا به استعصاما ، يشعرون أنهم يمتازون به عن غيرهم ، يختلفون عمن نزلوا قريبا منهم اختلافا لايكاد يراه سواهم ، شعرة دقيقة تحفظهم كما هم … ” وهذا يلامس – حسب حركة التاريخ ، والنسق الاجتماعي – شخصية المغاربة في هجرتهم ونزالهم وتميزهم . انظر : الرويس – ط١ ( ٢٠١٣ ) لبنان – جداول.
المرحلة الثانية = حي السوق : وجاء الإسم نتيجة شهرة السوق كقاعدة اقتصادية ، وملتقى تداول المصالح والمنافع ، وعرض الشكايات والخصومات .
ومع مركزيته وتوسعه احتاج إلى منظم الحركة التسويقية ، ومراقبة الأسعار ، واحتاج – أيضاً – إلى مرجعية للتسويات في العقود والمديونيات ، وما ينشأ من خلافات على هوامش البيع والشراء .
ولذا نفهم كيف أن إدارة السوق وضبط التعاملات ، وحل الخلافات : احتاجت إلى مرجعية موثوقة ليس في ( المغاربة ) فقط ؛ بل في القبائل الأخرى التي يفد باعتها ومراسليها ومندوبيها سوق خليص .
وقد مثل الشيخ محمد بن مرعي المغربي – أمير السوق – وظائف مايعرف يوم الناس هذا بـ ( البلدية ) و( الإمارة ) وما يعرف في الثقافة الإسلامية بـ ( المحتسب ) وقد كان أول محتسب في الإسلام ( سعيد بن العاص ، عينه النبي – صلى الله عليه وسلم – محتسبا على أسواق مكة بعد فتحها ، وهو عمل تطوعي لايتقاضى عليه صاحبه أجرًا .
المرحلة الثالثة = حارة المغاربة : الحارة ” في سياقها الاجتماعي ، تشير إلى حي سكني متقارب ، غالبا ماتكون منازله متلاصقة …. وعادة ماتتميز الحارة بوجود روابط اجتماعية قوية بين سكانها حيث يتشاركون في الحياة اليومية ، ويعرفون بعضهم البعض بشكل جيد ” وربما كان استدعاء الإسم من المدن المجاورة ذات الصلة بالمتاجرة ، وذات الصلة بالحج والعمرة .
في جده أربع حارات رئيسية ( حارة الشام – حارة اليمن – حارة المظلوم – حارة البحر ) وفي مكة عدد أكبر منها على سبيل المثال ( الشامية – الشبيكة – المسفلة – العتيبية – العزيزية – حارة الباب – الزهراء – المعيصم – العوالي – الزاهر – الخالدية … الخ )
نعترف أنه ” لا ينبغي الوقوف عند مجرد السرد الروائي الإخباري لأحداث الماضي ؛ بل لابد من فهم أعمق وغوص فيما وراء الأحداث وزيادة التفسير والتحليل ” لكننا نحاول الوصول إلى قواسم مشتركة بين المكان والشخوص : تحكمت إلى حد بعيد – في صياغة الأحداث .
محمد علي الشيخ
مقالات سابقة للكاتب