قراءة في الذاكرة
يشغل ( المواليد ) حيزا كبيرا في التركيبة السكانية لحارة المغاربة ، ليس بكونهم مكونا منفصلا ؛ بل جزءا من النسيج الاجتماعي .
وهي حالة فريدة في خليص – بالمقارنة مع سواها في أماكن أخرى ؛ حيث يعيش هذا الفصيل ( دونية ) في التراتيبية الإجتماعية . وحتى تقرأ هذه الحالة من منظور تاريخي واجتماعي عليك أن تستحضر بعض المصطلحات : التي تشير إلى حالات مختلفة مع وجود اختلافات في المعنى والإصطلاح .
فإن كانت بعض المصطلحات تشير إلى حالة عامة عند بعض الأفراد؛ حيث يكون الشخص لا يمتلك أي شيئ . لكنه قد يمتلك بعض الأشياء أو الأراضي مقابل خدمات ، أو ضريبة معينة . إذا استحضرت هذه المعاني فلن تجد في لفظ ( المواليد ) مايشير إليها ؛ ربما تشاطرها بعض المجتمعات التسمية ، لكنها لا تبلغ درجة الاحتواء والتماهي والمكانة والإندماج والمساواة التي يحظى بها ( مواليد خليص ) في البنية الإجتماعية .
ومن المعيب في الأخلاق والخادش للمروءة ، استدعاء مسميات او مصطلحات، ولعلك تجد في مصطلح ( المواليد ) حالة إنسانية تلمس في روحك الحبل السري للولادة ؛ كأنما المذكورين من أهل بيتك .
وقد كانت تطلق على أبناء الأسبانيات المتزوجات من العرب فترة الفتح الإسلامي للأندلس ؛ حتى الأسماء = عيد – موسم – عطيه – حسين – عابد – محمد – عبدالله – علي – راجح – سعيد – ثلاب – عائض – عاتق – نادر – ناهر … إلخ ) تجد فيها اختيارا غير ما ألفته العرب ؛ فقد كانت ” غالب أسماء العرب منقولة عما يدور في خزائن خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه ؛ إما من الوحوش كأسد ونمر ؛ وإما من النبات كحنظلة ؛ وإما من الحشرات كحية وحنش ؛ وإما من أجزاء الأرض كفهر وصخر “
تمددت سوق النخاسة في المملكة العربية السعودية وخاصة إبان تبعية الحجاز للإمبراطورية العثمانية . وكانت جزءا من النسيج الاجتماعي والإقتصادي للمنطقة . ثم بدأت في الإنحسار نتيجة التحولات الإجتماعية ، والتشريعات الدولية ، وتغير في الأنساق الثقافية ؛ حتى تم إلغاؤها بمرسوم ملكي من جلالة الملك فيصل في ٦ نوفمبر ١٩٦٢ م الموافق ٨ جمادى الآخرة ١٣٨٢ هجرية .
بقي ( المواليد ) يشكلون نسيجاً مجتمعياً مع جيرانهم يراعون حاجاتهم ، ولم ينقصوهم تقديرهم ، ولم يخلوا بشروط التعامل في فرائض الواجب وتكاليف المعاش . بقوا قريبين بكامل حريتهم المكفولة قانونا وأخلاقيا ؛ غير ملزمين بمجانية الخدمة إلا مارأوه يحقق منفعة ، أو يضمن أمانا وجوديا لعائلاتهم .
شارك ( المواليد ) في النشاط الإقتصادي ، وقد صنعوا تكتلا موازيا ومكملا للأنشطة الإجتماعية ، وخاصة ، مايتعلق بالترفيه كإحياء الأفراح وفن الطبخ ؛ حتى أصبحوا يتحكمون في تحديد مواقيت المناسبات كمثل الفنادق والقصور الآن – تتطلب سابق حجز .
وتعزز هذا التكتل – بقبول اجتماعي ، ومباركة الشريف تركي الحارثي محافظ محافظة خليص آنذاك ، وموافقة حكومية رسمية – حتى أخذ طابع ( القبيلة ) يمثلها شيخ منهم ( الشيخ هزاع المولد ) ينوب عنهم في الدوائر الحكومية . والمناسبات الوطنية التي تجمع مشايخ خليص ، ولا يفضلونه إلا بقدر مايمنحهم من أسبقية ، وحشمة تجذرت في طرائق التعايش ، ونمت كمداخيل حساب التوفير …
أخيراً : ليس لدينا شهادة – سوى استثناءات شحيحه – بمثابة دليل للإذلال الإنساني بخليص . صحيح ، ترسبت بقايا إشكالية اللون في الوعي الباطني على مستوى النخب والعامة من زمن جاهلي ، وبعضها تسلل كشعور مراوغ – وبريء – خارج أقواس المعلن من الحكاية : عندما عادت ( إحداهن ) من بلد الإبتعاث بمؤهل عالي كتب ( أحدهم ) إلى ولده : ” لم تكن أمك حرة يوما مثلما هي اليوم ” !!!
محمد علي الشيخ
مقالات سابقة للكاتب