ليست الأمية دالة على الجهل . وما وصف العرب قبل البعثة بالجاهلية لقصور في العقل ؛ إنما لعدم قناعتهم بالدين الجديد : الذي رأوا فيه استلابا لمكانتهم وزعاماتهم ، وتغييرا جذريا لأساليب حياتهم وأنساقهم الثقافية . إذا فالأمية ليست نقيض الفهم والرشد . هي حالة تسبق القراءة والكتابة . هي حالة الشفاهية ، والاعتماد في الحفظ على الحكاية والمرويات .
كانت خليص ( أمية ) في معظمها إلا بعض من تلقوا ماتيسر من التعليم في ( الكتاتيب ) أو على يد آبائهم وما أخذوه عن ( الشناقطه ) وهو في معظمه – إن لم نقل غالبه – يعتمد على مشروع التحفيظ ووسائله ، وشيئ من الفقه ، ومدارسة الحساب ، والتدريب على الكتابة ويمكننا – نقول مطمأنين – أن المغاربة استثناء لارتباط القراءة والكتابة بمهنة المتاجره ، وتوثيق بعض العقود ، وماتيسر من التعاملات ، وكتابة الخطاب للغير – البعيد والغائب . وفي تلك الحقبة من التاريخ برز – على حد علمي – بعض من أدركوا حرفة الكتابة !!! قلنا المغاربة استثناء ؛ لكننا نستدرك : أنه استثناء غير مستوفي الشروط … وغير مغاير ؛ فثمة نماذج لم تسعفها الظروف للظهور خارج الصندوق ، وبقيت حبيسة قناعاتها الشخصية ، وضمور مفاعيل الرغبة … وخوف الدخول في متاهة المرايا !!!
لذا لم تنشأ قاعدة ثقافية في المجتمع الخليصي ؛ حتى رغم كثرة العائدين من معاهد المعلمين ( نحن هنا في الثمانينات من القرن الرابع عشر الهجري ) ذلك أن البنية الثقافية تحتاج لبيئة متحررة – لحد ما – من تكاليف المعاش ، وتبعات الموقف الاجتماعي . وشغوفة بالحراك الإبداعي ، ومتابعة المشهد الثقافي . صحيح هناك محاولات مسرحية قام بها بعض الوافدين من بيئات ثرية ، وخلفيات ذات دراية بالفنون الأدائية ، لكنها مرتجلة ومتباعدة ومرحلية : تنتهي بتخرج الطلاب ، أو بانتهاء عقد المعلمين . والغريب : أن دروس الإنشاء – رغم تضمينها المناهج ، وروح التنافسية فيها ، وتشجيع الصفوة على استدامة ممارستها ، لم تنتج كاتبا يعنون هذا الحقل بإنجاز معلوم !!!
أعني بالنشاط الثقافي = السرديات والشعر . وقد كان الشائع والمتداول هو : المنقولات المتوارثة والمبتدعة من الشعر العامي والحكاية . وأزعم أنني أول من كتب القصة بخليص ، ونشرها في جريدة المدينة ( العدد ٢٥٦١ ) بعنوان : العودة إلى الصحراء . وفي ٢٨ رجب ١٣٩٣ كتب سباعي عثمان – المشرف على صفحة الثقافة – في جريدة المدينة ( العدد ٢٨٦٠ ) : ” هذا الشاب خامة جيدة يعيش في قرية نائية ، حيث يمتهن التدريس . بدأ على هذه هذه الصفحة بعض قصصه القصيرة الناجحة عن طريق زميلنا علي الرابغي – محمد علي الشيخ يواصل نشاطه وإن كان في بطء . وأنا اتوسم فيه مستقبلا مشرفا للقصة ” القصيرة . وفي ٢ / ٨ / ١٣٩٣ كتب عبدالله الجفري في جريدة البلاد ( العدد ٤٤١٧ ) : ” محمد علي الشيخ كاتب شاب … صنع له الزميل علي الرابغي عجلات من مطاط ، ومهد له سباعي عثمان طريقا وعرا شائكا ، وجعله مسفلتا كخد زنجية مراهقة ” أعرف أن مثل هذا الحديث يشكل استفزازا ؛ لكنني لا أرى في مجانبته صوابا ؛ كأنما – ماأنا عليه زماني المختار ومكاني المقدر !!!
الآن يقدم لنا خليص كوكبة من الروائين ، وكتاب القصة ، والمقالة ، والشعراء : الذين سجلوا حضورا على المشهد الثقافي المحلي والإقليمي ، وربما ؛ بل لعله من المؤكد : أن الجمعية الثقافية في خليص ، وصحيفة غراس : كان لهما أثرا بينا في تنشيط الحالة الثقافية، وتحريض الشباب على اللحاق بقافلة المبدعين …
محمد علي الشيخ
مقالات سابقة للكاتب