منذ عدة سنوات مضت تراودني فكرة السفر “لتركيا” للسياحة ولمشاهدة أماكنها ومعايشة تفاصيلها ، قرأتُ عنها في مضامين الكتب وشواهد الرحلات الأدبية والقصص التاريخية قديماً ، ومع تسارع الأيام كنتُ أترقّب الفرصة المناسبة لزيارتها ، وقد يسر الله تعالى ليّ في هذه الأيام زيارة هذه البلدة الغنّاء ، رأيتُ فيها ما يُسعد خاطري ويُمتع بصري ويُملئ فؤادي بالسعادة والأنس ، هي بلدة حَوَتْ كل تفاصيل الجمال البصري والذي يكمن في جمال طبيعتها وحدائقها وشواطئها، وكذلك الجمال القلبي والذي يكمن في مساجدها وطيبة أهلها .
غادرت لتركيا فجر يوم الخميس 7 أغسطس 2025م برفقة شقيقاتي الحبيبات وهن بشاير وعواطف ولهن – من أسمائهن نصيب – مما أضفى على سفرنا البهجة والسرور .
وبدأتُ رحلتي بمطار صبيحة كوجن بإسطنبول ، وعند وصولنا رأينا أثر المطر وكان الجو لطيفاً تكسوه الغيوم ، والأرض خضراء يكسوها جمال الطبيعة .
ذهبنا لمنطقة “شيشلي” وهي أحد أبرز مناطق أسطنبول السياحية ، وتقع على الجانب الأوروبي من أسطنبول عند مخرج البوسفور .
ونزلنا بفندق هاليفاكس والذي يقع في قلب إسطنبول بمنطقة شيشلي وعلى بعد 350 متر من محطة عثمان بيه للمترو ، ويتميز هذا الفندق بحسن استقباله ومعاملته للسياح ، ويشرف عليه الأستاذ أحمد وهو تركي من أصول عربية ، ويتميز أيضاً بديكور ذو لمسات شرقية .
فللصباح رونقٌ آخر في هذه المدينة “شيشلي” فحينما خرجنا من الفندق نمشي في الطرق المعبدة بالحجارة ، والتي تعج بالناس كلٌ في شأنه وعمله ، والبعض يبتسم والآخر يرحب بنا بلفظ “مرهبا” أي: مرحباً ..
وترى آخرون ينظفون شبابيك منازلهم ومحلاتهم في الصباح الباكر ، وتظهر بساطة الناس جلية في هذه المنطقة وكلٌ في حاله ، ولمسنا منهم التعاون في الدلالة على بعض الأماكن ، مما لم يجعلنا نستنكر ونشعر بالغربة ، فما أجمل اليسر والبساطة في حياة الناس والشعوب دون أدنى تكلف في الخُلق والتعامل والمعيشة:
الناس أجمل ما فيهم بساطتهم
لكن معدنهم أغلى من الذهب
ومما يلفت النظر أنهم يقدسون شرب الشاي ويدمنون شربه في الطرقات والمقاهي ، ويقدمونه بعد وجباتهم .
وكذلك اهتمامهم بالقطط ووضع الماء والأكل لها ..
ومن الأشياء الجميلة أثناء دخولنا لمحل بيع أحذية فرفع المؤذن صوته بالأذان فإذا بهم يغلقون أصوات الموسيقى والغناء إجلالاً لهذا النداء :
الله أكبرُ هلْ أحيا لأسمعها
إن كان ذلك يافوزي ويا طربِ
دخلنا أحد المطاعم المتواضعة في الحي مشهور – بلحم العجين والكبة وشوربة العدس ولبن العيران – فإذا بالنظافة تلوح في الأفق ، ناهيك عن لذة الطعام ، وحسن الترتيب ، ويختمون الوجبة بالضيافة بالشاي التركي.
ومن الأماكن التي مررنا عليها في رحلتنا منطقة تسمى”تقسيم” وهي تشتهر بالحياة الليلية الصاخبة والإزدحام ومراكز التسوَق والمطاعم وتتفرّع من ساحة تقسيم التي تضمّ نصب الجمهورية.
وتنتشر بها عربات الترام العتيقة على طول شارع الاستقلال الذي يشكّل شارع المشاة الرئيسي في المدينة ويزخر بمبانٍ قديمة البناء والتشييد ، وفيه سلسلة متاجر دولية ودور سينما ومقاهٍ.
وتعجّ الشوارع الجانبية العديدة بمتاجر سلع عتيقة ومطاعم على السطح تطلّ على مضيق البوسفور .
وذهبنا لعدة أسواق وأشترينا منها بعض الأغراض كالملابس والشنط والهدايا ؛ وكان من أبرزها “جواهر مول” وكذلك مول “غلاطه بورت” فهو يعتبر من ضمن أجمل وأكبر مولات اسطنبول ، ويقع على الساحل مباشرة ، ويتميز بإطلالته الساحرة والمباشرة على مضيق البوسفور ، حيث الاستمتاع هناك بمنظر اليخوت الفاخرة والسفن المارة في المضيق ، إضافة إلى الإطلالة البانورامية لأهم معالم المدينة التاريخية ، كما يضم مجموعة من أشهر الماركات التركية والعالمية .
وأخيراً: في ليلة من الليالي الأخيرة من “الرحلة” كنت أجلس مع شقيقاتي في شرفة الفندق – البلكونة – نتجاذب الأحاديث ونذكر بعض المواقف ، ونرتشف الشاي مع قطع من الشابورة ، في هدأة الليل ونتأمل في منظر السماء ، وطيور النورس تحلق بها ، وضوء القمر يزينها ، مما جعلني استلهم مايلي:
-البعد عن ضجيج الحياة وصخبها هدوء للنفس وطمأنينة للبال .
-ترك الأجواء السلبية والمشحونة صحة للجسم وراحة للعقل .
-أن القمر جماله في علو شأنه وبعده .
والسفر وسيلة للترفيه عن النفس البشرية والبعد عن الهموم والأحزان ، ومعرفة للطبائع البشرية ، واستكشاف للحقائق ، واستنطاق للتاريخ .
وبعيداً عن تعصب بعض الأتراك ضد العرب فمدينة اسطنبول مدينة تنبض بالحياة ، ومليئة بالمعالم الرائعة ، وبالوجهات السياحية الساحرة ، وفيها عشرات المعالم السياحية والآثار التاريخية والأسواق الشعبية والمولات التجارية والفنادق الفخمة والمطاعم الراقية والمقاهي الجميلة.
🔘 إضـــــــ💡ــــــــاءة:
قرأت جملة معناها يفوق الجمال، وهي: “استمتع في الرحلة”.
استمتع في الرحلة؛ أي: في طريق النجاح، في طريق الفلاح ، في طريق التجارة، في طريق الدراسة، في طريق الكد والتعب والحصد والنصب، لا تنتظر النتيجة حتى تستمع! بل استمتع في كل الرحلة وخذها من باب الفائدة والمعرفة والتجربة.

مقالات سابقة للكاتب