خليص في التاريخ المنسي ( ١٤ )

قراءة في الذاكرة 
قولا واحدا – مع بعض الاستدراكات التي تأتي في السياق لاحقا – لا يوجد بخليص مأثور شعبي يخصه ، وينسب له ؛ كقولنا : العرضه بالرياض ، والخطوة بالجنوب ، والمجرور بالطائف ، والمزمار بمكة ، والزير بالجموم ، والسمسمية بينبع – والقصيد بالكامل … الخ .

نحن ننقل العناوين الكبيرة : مثلا ، لاحصرا . وما عند خليص ، لا يتجاوز منقولات من مأثورات شعبية توزعت على مدن وقرى المملكة : تحيا بها الأفراح ؛ حسب القدرة على التمويل واتساع مشاركة الداعي . ورغم تشكيل فرقة خاصة بلعبة ( الزير ) كفرقة عبدالله الدويد إلا أنها لم تعبر حاجز المحلية ، ولم تعلم – بتشديد اللام وكسره – على خارطة الفن الشعبي كفرقة ( معلا الهريش )

تحتفظ ذاكرتي بمشاهد من لعبة الزير بخليص ؛ لكن الشريحة لم تسجل لاعبا مهاريا واحدا ؛ مما يدل على عدم شيوع اللعبة ، والإستعانة بلاعبين هواة من القرى المجاورة . وقد كان لخليص حظا وفيرا من صناعة البهجة في الزمن الجميل .

لكنني – والحق يقال – لم يغلبني النسيان ، وبقيت مشاهد ملاعب ( القصيد ) عالقة بذاكرتي : و أفضلها ماجمع بين محمد بن شريف الجبرتي – ومقابيله الغوانم : حميد أبو حمراء ، وحمدان بن هندي ؛ ولعلها علقت بذاكرتي لحرص خالي الشيخ حسن بن عبدالصمد وزعامات المغاربة – يوم الناس ذاك – على حضورها : يكملون عجز البيت ، ويسبقون قافيته ، ويدورون مع المعنى ، ويضبطون ميزانه !!!

ولا نستطيع أن ننكر التحسين الذي لحق بالعرضة ؛ ليس في شكلها الحالي المصاحب لـ ( الشيلات ) بل في صيغتها الأولى يوم كان لها ( بروتوكول ) ومراسم : يشترط الترتيب حسب المكانة الاجتماعية ، ومهارة المؤدي : يتقدمها ويقودها مقدم من علية القوم .

ويشترط في العارض حمل البندقية أو السيف ، أو عصا ( التشطيب = المزمار ) وهي تبدأ بعد المواجهة الشعرية بين الفصيلين = ( الزوماله – البدع ) وردها من المستقبلين ؛ وكأنما الجمعان يحتفلان بالسلم الاجتماعي !!! وبعض ( الزواميل ) تدور في فضاء معاني جامحة ، يحكمها العقلاء والراشدون . لكن غالبها تقف على أعتاب الترحيب …

وعلى المقلب الآخر : يظهر خليص كريادة في تشكيل الفرق النسائية . وكان لمغنياته السبق في تنظيم وإدارة حفلات الأفراح داخل خليص وخارجه . وكانت لهن الصدارة في القرى كمثيلاتهن في المدن : ابتسام لطفي – عتاب – توحه … الخ . وقد ساعدهم القبول الاجتماعي على البقاء في الساحة حتى بعد أن تغيرت الذائقة الفنية ، وبدأ جيل جديد كمثل = موضي الشمراني – خديجة معاذ – مروه سالم …. الخ . واستمر الفن النسائي الشعبي علامة في سياقات تاريخ الفنون الشعبية بخليص .

بقي أن نشير إلى ظلم الحجاز في توزيع تركة الفنون الشعبية . جاء في ( موسوعة الفلكلورات والأهازيج الشعبية و إيقاعتها المختلفة في المملكة العربية السعودية ) للموسيقار العميد طارق عبدالحكيم ) مايلي:

” وفي المنطقة الغربية – الحجاز – رقصة المزمار والركبي والحدري والفرعي والمجرور الطائفي والعجل والسمسمية والمجالسي والخببتي والرديح ويالي يالي وحيومه والقصيمي والمراد والينبعاوي والصهبة ويماني الكف والزير والزار والقيس والغزالة والدانات ” ص٢٧ – ط١ – ١٤٣٤ هجرية .

مسميات = خليط من أجناس فولكلورية لا تشم بها نكهة التاريخ ، ورائحة المعجم العربي ، ولا تلحظ بها سحنة وجوه الرعاة . وهذا استدلال واضح على تبعات الموقع الجغرافي للسعودية ، وأهميتها التجارية والدينية / فقد وطن المهاجرون بعض مأثوراتهم الشعبية بنفس الصيغ الثابته ، واخلصوا لها ، وتوارثها الخلف عن السلف ؛ حتى اكتسبت درجة المواطنة !!!

 

 

محمد علي الشيخ

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *