قنبلة في الجيب ونار في القلب!؟

في زحمة الحياة، قد نألف ما اعتدنا عليه حتى لو كان يحمل في طيّاته بذور الفناء. ننفث الدخان، ونظن أن اللحظة ملكنا، وما نعلم أن كل نفس يُخصم من رصيد أعمارنا، وكل سيجارة تكتب سطرًا جديدًا في سجل الخسائر. إنها عادة لا تصرخ، لكنها تهمس بالموت رويدًا رويدًا… فهل آن الأوان لنصحو قبل أن يغمرنا الرماد؟

ما أغرب الإنسان حين يألف ما يضره، ويستسيغ ما يَفتِك به في بطء وتؤدة! فثمة عادات لا تبدو في ظاهرها إلا نفثة دخان تتلاشى في الهواء، لكنها في الحقيقة شرارة خفية تُشعل نيرانًا لا تُطفأ إلا بخسائر فادحة.

التدخين، تلك العادة التي يتوارى ضررها خلف مظاهر خادعة، تسلب الجسد عافيته شيئًا فشيئًا، حتى يُصبح المرء أسيرًا لعادة لا ترحم، ولا تعرف إلا أن تأخذ. إنها ليست فقط ضياعًا للصحة، بل هدرٌ متعمد للنَّفَس والمال والفرص. والأدهى أن من يسير في هذا الدرب يظن أنه يملك زمام نفسه، وما يدري أن الدخان هو من يقوده، لا العكس.

ولو تأملنا الأمر من زاوية أوسع، لرأينا أن الخسارة لا تقف عند حدود الفرد. فالدولة ترهقها فواتير العلاج، والمجتمع يتألم لضحايا كان يمكن أن يكونوا لبنات بناء، لا رمادًا في الريح. والمفارقة المؤلمة أن العيادات مفتوحة، والبدائل متوفرة، والنصح لا ينقطع، ومع ذلك، يرتفع عدد المدخنين أكثر من عدد المتعافين.

وقد جاءت الشريعة الغرّاء بحفظ النفس، وحرّمت كل ما يُفضي إلى تلفها أو إهلاكها، فقال تعالى: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً”، وقال: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”. ولما ثبت بالدلائل الطبية القاطعة أن التدخين سبب رئيس في أمراض مهلكة كسرطان الرئة وأمراض القلب، أفتت هيئات العلماء بتحريمه، لا من باب الكراهة، بل من باب صريح التحريم، لما فيه من إضرار مؤكد بالنفس وإهدار للمال، وهما من المقاصد الضرورية في الشريعة. وإن استمرار الإنسان في تعاطيه بعد العلم بأضراره يُعدّ نوعًا من التهاون بأمانة الجسد، التي سيسأل عنها يوم يُعرض على الله.

وما يدمي القلب حقًا أن تكون القدوة مُشوشة، حين يرى الأبناء من يفترض أنهم النبراس في الظلام، يمسكون بسيجارة تُعلّم أكثر مما يقول اللسان. وهكذا، تنتقل العادة في صمت، من جيل إلى جيل، كما تنتقل النار في هشيم يابس، حتى يصير الإقلاع عنها ضربًا من التحدي، لأن “من شبّ على شيء، شاب عليه”.

ليست العادات وحدها ما يقتل، بل غياب الوعي، وتكرار التهاون. وما زال في الأمر متّسع لمن أراد أن يعود، فالبدايات الخاطئة لا تفرض نهاية محتومة. والرجوع عن الخطأ، شجاعة لا يملكها إلا الأحرار.

فيا من أَلفت السيجارة وأصبحت لك أنيسًا في خلواتك، تذكّر أنها لا تُسكت همًّا، ولا تُحيي أملاً، بل تقتلك في هدوء، وتسرق منك الحياة خلسة. لا تكن ممن يوقظ الوعي بعد فوات الأوان، ولا ممن يندم حين لا ينفع الندم. قرارك اليوم قد يُنقذ غدك، وقد تكون أنت الشرارة التي تطفئ نار العادة فيمن حولك. فالحياة هبة لا تُقدَّر بثمن، والجسد أمانة، فلا تُطفئه بدخان، ولا تُبدّده بعادة نهايتها ضياع وخسارة مؤلمة وقاتلة.

نوار بن دهري
NawarDehri@gmail.com

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *