في عالم يموج بالضوء والضجيج الرقمي، يمر الوقت سريعًا دون أن نشعر. بعض الأمور التي تجذبنا قد تبدو بريئة، لكنها تسرق أكثر مما تضيف.
في زمن يحيط فيه الضوء الأزرق بنا من كل زاوية، قد يجد الإنسان نفسه يقضي ساعات طويلة أمام شاشات تأسر الانتباه. أحيانًا يختلط الانشغال بما يهم بالحضور المستمر في هذه العوالم، فتبدو الأيام قصيرة جدًا، والليالي بلا نوم كافٍ، بينما تمر الأعمار دون أن نشعر.
الأفكار تتلاقى بسرعة، والمعلومات تتدفق بلا توقف. الطفل والمراهق قد يختلط عليه الواقع بالخيال، ويبدأ في تقليد ما يراه دون وعي كامل بما يفيده أو يضره. والشاب أو الكبير قد يجد نفسه ينجذب لما يثير الفضول أو يحرك الانتباه، بينما تتراجع أحيانًا الأمور الأكثر قيمة في الحياة، مثل التركيز على العلاقات الحقيقية والعمل الجاد والنمو الشخصي.
الإفراط في الانغماس في هذه العوالم الافتراضية قد يجعل النوم مضطربًا، والمزاج متقلبًا، والتركيز ضعيفًا. ومع الوقت، قد يشعر الإنسان وكأن عقله مشتت، بينما تمر اللحظات الثمينة دون أن تُستثمر في ما يضيف معنى حقيقي للحياة.
الوعي هنا هو المفتاح. إدراك الوقت، تحديد الأولويات، والانتباه لما ينفع حقًا، يساعد على التوازن بين العالم الافتراضي والحياة الواقعية.
الأنشطة الواقعية، الحوار العائلي، والعناية بالصحة الجسدية والنفسية، كلها أدوات تحافظ على ما هو مهم فعليًا، بعيدًا عن التشويش والانشغال السطحي.
في النهاية، لكل واحد منا الخيار: أن يجعل من الشاشات وسيلة لتعلم شيء جديد أو التواصل بشكل مفيد، أو أن يتركها تأخذ منه أوقاته دون أن يلاحظ.
من يفهم القيمة الحقيقية للحياة، يعرف كيف يوازن بين ما يراه وما يحتاجه عقله وروحه وجسده، دون أن يضيع في متاهة الانشغال المستمر.
الوعي والاختيار هو ما يحدد قيمة كل لحظة نعيشها. ما نقدره اليوم يحدد ما سنحمله غدًا. وإلا، ستبقى الأرواح خاوية، والمعرفة سطحية، والثقافة ضبابية، بلا هدف واضح، دون أثر حقيقي يترك بصمة في الحياة.
نوار بن دهري
NawarDehri@gmail.com
مقالات سابقة للكاتب