تعيدك محافظة خليص بالقوة إلى نهارها ، تنتزعك نزعا من ( رقدة ) في حضن ليل يتنفس الأحلام والسفر والغواية وحساب العمر – لتفيق على حاضر استعار من الإشراق وسامته ، واستعاد من المساء ذاكرة صباحه ؛ كأنما صهر الأزمنة في خلق واحد – من صدى التلبية ، والتكبير ، وحديث النبي ، وتلويحة قوافل الحجاج ، والركب المكي – إلى صيحة النصر : ” الملك لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن ” في ( الرياض ) إلى يوم الخميس ٢١ جمادى الأولى ١٣٥١ هجرية = إعلان توحيد المملكة العربية السعودية ، إلى رؤية 2030 …
هذه السردية لاتشبه مثيلاتها في التاريخ ؛ لأنها جمعت بين رمزيتين = المقدس والشخصي ؛ كأنما هي امتداد لتطبيقات راشدة في نظم الحكم ؛ فهي تعطي أولوية لخدمة الحرمين الشريفين ، وهي تدين بتأسيسها وتوحيدها ونهضتها لأسرة واحدة في خط زمني رأسي من ( الدرعية ) حتى ( الرياض ) وتبقي الزمن مفتوحا على الرؤى المتحققة والمستقبلية .
……. لا أدري كيف – حتى وأنا منغمس في ذاكرة المكان والناس – تمكنت مني الغفلة الذهنية ؛ رغم أني أتحرى هلال ليلة الوطن ، وألمس بعض إرهاصات الإستعدادات ليوم عظيم ؛ كأن بعض قوم مؤمنين استشعروا ليلة القدر ؛ فتطهروا ، وتجللوا بالبياض ، واستعادوا سيرة السلف الصالح !!! ربما لأنني على تماس مع تاريخ الدولة السعودية بحكم تخصصي – وشغف استقصاء لمظانه عربية واجنبية – فملأ حضوره فراغات مادونه من الإهتمامات ، واستقام نصا ، بمتنه وهوامشه ، كشعيرة دينية …
وأحسب أن كثيرين غيري قصر بهم التصور ؛ ليس عن اتساع الفرحة ؛ بل هذا العمق في فهم دلالتها وتجلياتها.
يدهشك أن السعوديين لم ينأوا عن ماضيهم رغم سطوة الحاضر وفتنته . تحتفظ الغالبية منهم بموروثهم من اللباس وأصناف الطعام ، وفنون الزينة والرقص والأهازيج . والأجمل هو سرعة استجابة الأطفال مع المناسبة ، فترى الطفل/ الطفلة مع أمها وجدتها في إيقاع غلاب وآسر ؛ كأنها تلقت دورة في العرضة ولعبة السيف . يبدو أن للوطن ( معاني ) جهلتها المعرفات ؛ وقد قالوا كثيرا وما غووا ملائكة الكلام ؟!!!
سيبقى هذا اليوم تنشيطا للذاكرة التاريخية ، وتخليدا لعبقرية من فكر به … وقراءة تتجدد كل سنة …
محمد علي الشيخ
مقالات سابقة للكاتب