🖋️من أعظم سمات النضج وقمة الوعي وقوة الشخصية للإنسان ؛ هي قدرته على التجاهل للأمور التافهة ، والتي لا تعنيه ، أو قد تؤذيه نفسياً ، فإن قمة النضج في الحياة قدرتك الشخصية على معرفة النفايات العقلية التي يجب ألا تلوث دماغك بها .
تجاهل : كل ما يؤذيك في رحلة الحياة ، وما سيعرضك لمواقف تستفزّ فيك الردّ ، فكن فطناً وأمسك عليك لسانك فإن الردّ لا يليق دائمًاً ، بل أحياناً يكون الصمت احترامًا لذاتك ، لأنك تعلم في قرارة نفسك أن الشرح لمن لا يريد أن يفهم ، هو إهدارٌ للطاقة والكرامة معًا.
أمسِكْ لسانك إنّ الصّمتَ مَنقَبةٌ
حتى وإن كُنتَ مَحبوبًا خفيفَ دمِ
********
فالصمتُ يورِثُ إجلالاً لصاحبهِ
وليسَ شأنُ الفتى في كَثرةِ الكَلِمِ
********
كَم مِن حَديثٍ أتى في غيرِ موضِعهِ
كانت عواقبهُ في غايةِ الندمِ
********
مَن صاحبَ الصمتَ فليهنأ براحتهِ
ومَن تكلّمَ فليصبِر على الأَلمِ
تجاهل : وتغافل لتدرك أن “التجاهل والتغافل” فنٌ من فنون التعامل وأصدق أنواع الردّ .
لأن الهدوء في العاصفة ليس استسلامًا ، ولا هو وسيلة هروب ، بل هو فعل نضجٍ وارتقاء ، وقوة لا يتقنها إلا العاقلون .
وكمْ تغافلتُ عن أشياء أعرفُها
وكمْ تجاهلتُ قولاً كان يُؤذيني
********
وكمْ أقابلُ شخصاً من ملامحهِ
أدري يقيناً وحقّاً لا يُدانيني
********
وكمْ تغاضيتُ لا جُبناً ولا خوراً
هي المروءةُ من طبعي ومن ديني
********
جازيتُ بالطيبِ كلّ الناسِ مجتهداً
لعلَّ ربّي عن طيبي سيجزيني
تجاهل : كل ما يضرك ويستفزك ، وذلك محاولة منك لحماية نقائك من التلوث بالصغائر .
فليس كل صمتٍ ضعفًا ، ولا كل تجاهلٍ جفاءٌ .
تجاهل : فأحيانًا يكون التجاهل فعل نجاةٍ نبيلٌ ، تختبي خلفه لتحمي ما تبقّى من سلامك الداخلي.
تجاهل : عندما ترهق من التبرير ، وعندما يصبح الكلام عبئًا لا يُحتمل ، فتوقن أن الكلمة لن تُفهم ، وأن الحضور لن يُقدَّر .
تجاهل : أذية الآخرين ولا سيما الأقارب لأنها سببٌ في تفككِ الكثير من العلاقات الأسرية.
وظُلمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً
على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
تجاهل : التفكير الزائد والتفكير المؤذي والذي يتوهم فيه الإنسان بحدوث أشياء لم تحدث في الأصل .
تجاهل : ذلك الفراغ الذي يُحدثه غياب الاهتمام ، وتلك المسافة الباردة التي يفرضها الترفع أو القسوة أو حتى الجهل بما يتركه التجاهل من أثرٍ في الأرواح.
تجاهل : تلك العبارات النابية والتي قد تخرج من بعض الأشخاص أو الأصدقاء بقصد أو بغير قصد .
وإنْ بُليتَ بشخصٍ لاَ خَلاقَ لهُ
فكُنْ كأنَّكَ لمْ تسمعْ ولمْ يَقُلِ
********
ولا تُمارِ سفيهاً في مُحاورَةٍ
ولا حليماً لكيْ تنجو منَ الزَّلَلِ
تجاهل : الأفكار السيئة والسلبية ، والجدالات العقيمة ، والأشخاص الذين لا يرون قيمتك وكن كما قال الشاعر:
قسيمُ المُحيَّا ضحوك السَّماح
لطيفُ الحوارِ أديبُ الجدَل
تجاهل : فإن التجاهل يكون في الغالب رحمة للنفس وراحة لها ، ودرعًا ضد الخذلان.
تجاهل : فبعض الأحيان ، يكون التجاهل سلوكًا صحيًا وضروريًا في التعامل مع أشخاص سلبيين أو مؤذين نفسياً .
تجاهل : فإن التجاهل وسيلة للحفاظ على الاستقرار العقلي والتوازن النفسي ، وليس أداة لإلحاق الأذى بالآخرين .
تجاهل : بصمت وهدوء فإن أقسى أنواع الصمت كما قيل : “هو الذي يعرف أسبابه قلبك فقط ” وهذا ما يفعله التجاهل بنا فيجعلنا نبتسم للناس ، وننزف بصمتٍ في الداخل ولسان حالنا يقول :
(والطير يرقص مذبوحاً من الألمِ).
تجاهل: فإن التجاهل رغم مرارته ، يبقى أحيانًا أجمل هديةٍ نهديها لأنفسنا.
تجاهل: فالتجاهل يعلمنا كيف نُوازن بين ما نشعر به وما نُظهره .
تجاهل : حتى تصل لإختيارك لنفسك والمتمثل في راحة البال والبعد عن المعارك والتي قد لا تنتهي وتستنزف عمرك ووقتك.
وعُدتُ مِن المعارِكُ لستُ أدري
عَلامَ اضعت عُمرِي في النزالِ
تجاهل : فإن من يتقن فنّ التجاهل ، لا يعني بذلك أنه لا مبالاة لديه ؛ بل أنه تعافى من فكرة أن يُثبت نفسه للآخرين .
ختاماً : فإن التجاهل ليس معناه دائمًا تجاهلًا للآخرين في حد ذاته ، بل هو تجاهل لكل ما يُرهق الروح ، فهو فنّ لا يتقنه إلا من أدرك أن السكينة أغلى من الانتصار ، وأن الهدوء أحيانًا أبلغ من ألف كلمة ..
🔘إضـــــــ💡ــــــــاءة
التجاهل صدقة جارية على فقراء الأدب والأخلاق .
منى الشعلان
مقالات سابقة للكاتب