كانَتْ مَهيبَةَ الجانِبِ، قَوِيَّةَ الشَّخْصِيَّةِ،
حازِمَةَ التَّصَرُّفِ، شَدِيدَةَ التَّدْقِيقِ،
تُشْعِرُكَ أَنَّها تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ،
قَلِيلَةَ الكَلامِ، خَفِيفَةَ الظِّلِّ، بَاسِمَةَ المُحَيَّا،
فَإِذا نَظَرْتَ إِلَيْها هِبْتَهَا.
وَكُنْتُ أَخْطُو فِي طَرِيقِ المَدْرَسَةِ وَالتَّحْفِيظِ فَوْقَ السَّادِسَةِ،
وَعِنْدَما أَعُودُ مِنَ التَّحْفِيظِ، كانَتْ تَنْشُرُ المُصْحَفَ وَتَقُولُ:
سَمِّعْ ما حَفِظْتَ.
فَأَقْرَأُ وَأُسَمِّعُ كَما تَعَلَّمْتُ.
وَكُنْتُ فِي البِدايَةِ أَحْفَظُ، وَلَمْ أَتَعَلَّمِ الكِتابَةَ وَالقِراءَةَ الهِجائِيَّةَ بَعْدُ،
وَاسْتَمَرَّ الأَمْرُ حَتَّى أَجَدْتُ القِراءَةَ وَالكِتابَةَ، وَحَفِظْتُ القُرْآنَ الكَرِيمَ.
وَالحالُ نَفْسُهُ… وَفِي يَوْمٍ نَشَرَتِ المُصْحَفَ تُراجِعُ لِي،
وَكُنْتُ أَقْرَأُ فِي سُورَةِ الأَنْعامِ،
وَبِنَظَرَةٍ خَاطِفَةٍ، كانَ المُصْحَفُ مَنْشُورًا عَلَى سُورَةِ المائِدَةِ.
وَتَكَرَّرَ الأَمْرُ، وَبَدَأْتُ أَشْعُرُ بِهِ،
فَجاءَ السُّؤالُ:
هَلْ تُتابِعينَ قِراءَتي أَمْ أَنْتِ مَشْغُولَةٌ؟
فَكانَتِ الإِجابَةُ:
واصِلْ، وَلا تُكْثِرِ الكَلامَ.
وبعدما تَحَرَّيْتُ الأَمْرَ، عَرَفْتُ أنّها لا تَكْتُبُ وَلا تَقْرَأُ،
وَإِنَّما كانَتْ تَحْزِمُ أَمْرَ حِفْظِي وَمُراجَعَتِي.
وَاسْتَمَرَّ الحالُ حَتَّى بَلَغْتُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِي،
وَأَنا أُدَرِّسُ الطُّلّابَ وَإِخْوَتِي،
وَأُصَلِّي بِالنَّاسِ التَّراوِيحَ،
وَذلِكَ المُصْحَفُ يُنْشَرُ عَلَى غَيْرِ ما أَقْرَأُ.
تُوفِّيَتْ، وَالأَمْرُ فِي نَفْسِي، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى لِسَانِي قَطُّ، فَلَمْ أَبُحْ لَها بِهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْر.
وَكُلَّما تَذَكَّرْتُ حَزْمَهَا، عَرَفْتُ فَضْلَهَا وَثَمَرَةَ عَمَلِها فِي حَياتِي.
رَحِمَكِ اللهُ يا أُمّاهُ. 🤍
محمد بن أحمد الشلاع
مقالات سابقة للكاتب