لقد خلق الله هذا الكون وأبدعه وبناه على نظام دقيق محكم ، ورتب كل مافيه ، وجعل العبادات كذلك مرتبة ومنظمة وحدها بحدود منع من تعديها وتجاوزها ، وإن كل هذا اﻹحكام والتنظيم إنما هو تربية للناس عامة وللمسلمين خاصة؛ ليكونوا في كل حياتهم منظمين مرتبين وعلى الصواب سائرين وعن الخطأ متجانفين .
وإن كل ما حول اﻹنسان ليدفعه ليكون منظماً في حياته مرتباً في وظيفته ، متقناً لعمله ، محسناً في تعامله ، ولكن هذا لإنسان لربما يخرج في بعض اﻷحيان على النظام فيتردى في حمأة اللهو والعبث والتقصير واﻹساءة ، متوهماً أن هذه هي الحرية وما علم أن الحرية إذا كانت تركاً لواجب أو إقدام على ممنوع أو تقصيراً في أداء أو ضعفاً في إتقان أواختراقاً لنظام ، فإنما ذلك أول طريق النهاية وبداية خراب عالمه الذي يعيش فيه ، فمتى خالف أفراد المجتمع اﻷنظمة بدعو الحرية وانقياداً لرغباتهم الشخصبة فسوف تضطرب اﻷمور وسيكون الناس في أمر مريج ، وما منا من أحد إﻻ يلحظ تقصير الكثير ممن حوله في تطبيق الأنظمة وتهاونهم بها سواء منها اﻷنظمة الربانية أو تلك التي سنها ولاة اﻷمر لتسيير حياة الناس وضبط شؤونهم والتي ليس لهم عذر في ترك تطبيقها وهم يعلمون مصلحتها فضلاً عن وجوبها الشرعي الذي هو ﻻزم من لوازم طاعة ولي اﻷمر .
وإنه مما يحز في النفس أن تجد من أبناء الوطن ممن سافروا إلى بعض دول الشرق أو الغرب بأن تجد منهم إعجاباً بدقة الناس في تلك الدول في مواعيدهم وتمسكهم التام والدقيق باﻷنظمة واللوائح ، وعدم تفريطهم في التعليمات والضوابط ، بينما تجده هو وغيره في هذه البلاد من أقل الناس تمسكاً وانضباطاً باﻷنظمة والتعليمات ومن أسرعهم تفلتاً من أوامر الدين وأجرأهم على مخالفة اﻷنظمة والضوابط التي تنظم حياة الناس وشؤونهم ، وكذلك انزعاجهم بل واعتراضهم على العقوبات الصارمة التي تطال المتهاونين والمخالفين الذين يعرضون حياة الناس للخطر …. فـ عجباً لنا نخالف بل نتعمد المخالفة والتعدي على اﻷنظمة ثم نتضجر من تطبيق العقوبات؛ إنه لضعف في اﻹيمان وتخلف في الفكر وخلل في التصور أن يرى بعض الناس أن في اﻹلتزام بالنظام نقصاً في رجولتهم أو حطاً من كرامتهم أو تقييداً لحرياتهم ، في حين أن من المقرر عند العقلاء أنه لا يمكن بغير تطبيق النظام أن ينال الناس حقاً وﻻ أن ينعموا بعدل أو يجدوا أمناً أو يشعروا بطمأنينة.
فالنظام هو العدل وعلى العدل قامت السموات واﻷرض ، أما الغوغائية وخرق النظام فإنه نوع من أنواع التعدي والظلم ، والظلم سبب لخراب البلاد وهلاك العباد ، فاحترام النظام يعد إحدى القيم السلوكية اﻹجتماعية التي تعنى بها المجتمعات المتحضرة وتحرص عليها ، وتعمل جاهدة على تربية أفرادها على احترامه والتمسك به حتى يكون سلوكاً يعمل به وتتم ممارسته من قبل كل فرد من أفراد المجتمع .
وحفظ النظام يكون بأن يدرك اﻹنسان مواطن أو غير مواطن بأن النظام سلوك ديني ووعي حضاري و أن أكبر شواهده احترامنا لذواتنا والتزامنا بالصواب والبعد عن الخطأ في جزئيات حياتنا ، والحذر من الغوغائية والعشوائية والعبث والفوضى في أي شأن من شؤون حياتنا مهما كان يسيراً ، فاحرص على احترام النظام وتطبيقه فتطبيق النظام دليل على الوعي والرقي والتحضر والتمدن .
حامد هاشم الصبحي
مقالات سابقة للكاتب