داء الحسد ..

يقال أن كل إنسان لديه أو في قلبه ولو قدر ضيئل من الحسد ، والأنسان هو من يحاول جاهداً أن يقضي على هذا القدر بالاستعانة بالله أولا والدعاء ثم المجاهدة للقضاء بتاتاً على هذا المرض الذي هو من أمراض القلوب – نسأل الله أن يجيركم وإيانا منه – ، وكذلك الانسان هو من يطلق العنان لهذا المرض بل المارد الخطير ليدمر ويقضي على الحسنات ويأكلها كما تأكل النار الحطب.

 هو داء قديم نشأ مع خَلق الإنسان إن لم يكن قبل ذلك ، وكان أول من أصيب به وأدخله قلبه هو إبليس حينما حسد آدم وأبى أن يسجد له عندما أمر الخالق جل وعلا الملائكة بالسجود لآدم ، وحين أهبط أبونا آدم إلى الأرض وطرد إبليس من جنة الخلد بسبب حسده وكبره هبط الحسد أيضاً ، فقد حسد قابيل أخاه هابيل ودفعه ذلك إلى قتله .. وهكذا استشرى هذا المرض ونراه يعمل ضد كل أنبياء الله ، إلى أن وصل باليهود في حسد سيد الأنام محمد بن عبدالله – النبي الخاتم – ،،وأبوا أن يؤمنوا به برغم يقينهم أنه نبي مرسل من الله تعالى ويجدونه مكتوباً عندهم في كتبهم بأسمه وصفته صلى الله عليه وسلم ، وما منعهم أن يؤمنوا به ويتبعوه إلا الحسد أن جاء من غير قومهم وكأنهم آمنوا بعيسى وهو منهم ولكن إنما هي حجة لعدم رغبتهم في الايمان به حسداً من عند أنفسهم ، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه…

وامتد هذا الحسد إلى بعض القبائل في مكة وغيرها،  والدليل ما أخبر الله به على لسانهم ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ، فرد الله عليهم موبخاً إياهم ومستنكراً قولهم ( أهم يقسمون رحمة ربك ) ، ولو علموا أن الامر ليس إليهم ولا لهم لأن ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ، وتمادى القوم في الحسد حتى لقد قيل ( مازالت ربيعة غاضبة على ربها منذ أن بعث الله محمداً من مضر ) ، فهل هناك أشد من هذا القول والفعل القبيح ؟! .. وهذا الظلم الذي ظلموا به أنفسهم ودفعهم إلى مناوءة الموحدين والمستجيبين لدعوة ربهم وخالقهم ، فعذبوا واضطهدوا كل من انتظم في سلك المؤمنين بالله الواحد حسداً لهم أن هداهم الله إلى الحق ..

وعلى النقيض من ذلك فهناك أناس قد جاهدوا أنفسهم وتغلبوا عليها وكسروا بيقينهم حدة الحسد وعلموا أن الواهب هو الله ، وتيقنوا أنه لا يمكن لكائن من كان أن ياخذ ما كتب لهم وأن الرزق قد قسمه الله سبحانه وتعالى بعلمه وحكمته وأنهم لن ينالوا مالم يكتب لهم ولو جالدوا عليه بالسيوف .

وهنا يحضرني قصة الرجل الذي كان الرسول الكريم على ثلاث مرات يقول لأصحابه وهو بمسجده ، سوف يدخل عليكم رجل من أهل الجنة ، وقصة عبدالله بن عمر بن الخطاب وذهابه إليه والمبيت عنده ليرى ما الذي يفعله حتى استحق شهادة رسول الله له بالجنة ، وحين رآه لا يقوم بكبير عمل سأله فقال له : “كما ترى من حالي غير أني إذا أويت إلى فراش لا أحمل لأحد من الناس في قلبي شيء” ..

نعم إنه القلب السليم .. ذلك القلب الذي جعله الله شرط دخول الجنة لحامله فقال ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) .. فالحسد مهلك لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة ، لانه لا يمكن للحاسد أن يلتذ بعيش أو يهنأ وهو ينظر إلى ما في أيد الناس مما أنعم الله به عليهم ، بل ويتمنى زواله ويعترض على ربه أن أعطى فلاناً ولم يعطه هو ، ويظل الأيام والليالي وهو يجتر الحقد ويلوك الحسد حتى يتآكل قلبه وربما مات متحسراً وصدق من قال ( لله در الحسد ما اعدله بدأ بصاحبه فقتله ) ، هذا عوضاً عن ما يكون في الآخرة من عقاب بسبب الاعتراض على قضاء الله وقدره وقسمته الأرزاق بين عباده …

الحسد داء يفرق جمع المجتمعات ويجعلها متناحرة متباغضة يكره بعضها بعضاً ، وبذلك فلن تتقدم قيد إنملة طالما تبنت وأشرب قلوب أفرادها حب الحسد بل تقبع في وحل البغضاء ، خلاف من نبذوا هذا الداء فتجدهم يتقدمون يبنون يرتقون يضع كل واحد منهم يده على يد أخيه راضون بما قسم الله لكل واحد منهم ، يعملون سوياً يجتهدون ، تظللهم رعاية خالقهم وعونه وعنايته ، يعملون بجد ومثابرة إلى أن يردوا جميعاً إلى ربهم ولا ينتظرون أن تمطر السماء عليهم ذهباً وهم في حالهم هذه يحسدون من يعملون فيعطيهم الله نتيجة عملهم ، ويجب على المرء أن يعمل بوصية الرسول الكريم الذي جاء ليصحح المفاهيم ويصقل الأخلاق الذي قال ونعم ما قال ( لا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونو عباد الله أخونا) .. ترى ما الذي يحقق الاخوة الاسلامية ؟! إنه نبذ الحسد الذي يجلب التباغض والتفرقة .. نعم أن العيش المشترك بين كل أفراد الأمة الأسلامية التي وصفها الله تعالى بانهم أخوة .. هذا هو ما يجلب السعادة في الدنيا والجنة بفضل الله ورحمته في الآخرة ، وبدون ذلك لا يكون صلاح أو فلاح لأمة وصفها خالقها أنها خير أمة أخرجت للناس .

 

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

5 تعليق على “داء الحسد ..

دواس

تخيَّل جمالاً، وتمنَّ جمالاً، وانطق جمالاً، واصنع جمالاً.. ولا تجعل صدرك، هيكلاً لحسد أو غل..?

ابراهيم مهنا

جزاك الله خيرا كاتبنا الفاضل
عجيبة هذه الصفة تأكل الحسنات وتفسد العلاقات وتهدم المجتمع
صاحبها منشغل بغيره مهمل نفسه
من استحوذت عليه أفقدته كلمة الحق وأضرت برأيه
اللهم أصلح أحوالنا

محمد ساني ابن عبد الكريم

فهل هناك أشد من هذا القول والفعل القبيح ؟!
بعض المقالات تأسر الألباب وتشد عنك طوعا، من البداية إلى آخر حرف فيها، وذلك لما تحتويه من منافع جمّة للقارئ الفطن في الدارين، حتى تحب الكاتب من ريشة قلمه، الذي يمتلئ من مداد فكره وقلبه، والله أحبك يا أخي وأستاذي أبو ليلى إبراهيم يحى، وأنا الذي لم أتشرف برؤياك ولقياك، وزادنا الله وإياكم وإخواني القراء الكرام: بسطة في العلم ورفعة في الأخلاق وبعداً عن الحسد والحسّاد، اللهم آمين.

نويفعة الصحفي

السلام عليكم ورحمة الله
من اسوء الصفات هو الحسد ..فو الله ما قطعت علاقات ، ولا ساد النزاع ، ولا تقطعت صلة ذوي القربى ، الا بسبب الحسد .. ولذلك جعل الإسلام من أهم صفات ، ومقومات المجتمع المسلم الأخوة في الله ، بل إنها من علامات التربية الأسلامية ..
.هذه الأخوة مسكنها تلك النفوس التي لا يعرف الحسد لها طريقا ، تذكر الله ولا تغفل عن ذكره ، تحب لنفسها ما تحبه لغيرها . هذه النفوس التي يتجلى فيها النقاء ليس قولا فالقول أمره سهل إنما هو الغعل ..الذي يظهر جليا في المواقف ….
و هذا المقال للاستاذ الفاضل أبراهيم مفعم بالمعاني الجميلة التي لا تحتاج لشرح وافية كافية ..
شكر الله لكاتبنا المبدع ونفع به.. ورزقنا الرضى والقناعة ، و اخوة لا يعرف الحسد لها طريقا ….اللهم آمين

محمد الرايقي

نشكرك كاتبنا ابراهيم على تميز طرحك وغزارة انتاجك
بما يعود علينا بالنفع والفائدة .
تحدثت عن داء ساد وانتشر بين الأقرباء والغرباء
نسأل الله أن يشفي قلوبنا منه
جزاك الله خيرا وكتب اجرك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *