مما لا شك فيه ولا ريب أن الدين الإسلامي هو دين التسامح بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، وكم في هذه الكلمة من معان نبيلة وسامية ترتقي بصاحبها إلى درجة الصديقين ..
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو قمة التسامح ، فلنفتش في سيرته العطرة ولنغص ونسبر أغوار التاريخ الصادق لنرى بكل دهشة كيف تغير العالم بهذا الخلق؛ حتى الذين ناؤوا الدعوة منذ انطلاقتها يعترفون راضين أو مرغمين ومكرهين بأنه كان أستاذاً في التسامح معهم .. كذبوه فلم يتغير .. قالوا عنه كل فرية ليخرجوه عن طبيعته وسجيته ونسي أولئك التعساء في خضم غضبهم أن ذلك الخلق ليس تطبعاً فيه بل طبيعة وسجية هي من صميم أخلاقه صلى الله عليه وسلم ..
وضعوا سلا الجزور على كتفه وهو ساجد لربه الواحد فلم يظفروا منه بغضبة واحدة أوبدعوة يدعوها عليهم .. كيف لا والله الرحيم يقول (وماكان الله ليعذبهم وانت فيهم وماكان معذبهم وهم يستغفرون) ، فما كان منه إلا قائم يدعوهم إلى الجنة ويقول لجبريل عليه السلام حين قال له لو أمرتني لأطبقت الأخشبين عليهم .. – فكانوا كأمس الدابر – فـ يقول رحمة بأعدائه ( لا يا جبريل فلعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله) .. أي إنسان هذا ؟! فعلاً كما وصفه ربه العليم هو رحمة مهداة للثقلين ، وهكذا ظل يدعوهم ويحدب عليهم ويرأف بهم وهم شرود ، فلما رأوا أن هذا الخلق الذي يعاملهم به لا يمكن أن يكون خلق إنسان؛ هنا توقفوا قليلاً وعملوا الفكر الحصيف فإذا بهم يبصرون نور الله يغشاهم ويتغلغل داخل قلوبهم فأساخوا كل الآذان ليسمعوا تراتيل العقل وتسابيح القلب ، وفي لحظة ذهول صاحوا بـ – لا أقول أفواههم بل ملأ قلوبهم وأفئدتهم – أن “لا إله إلا الله وأنك يامحمد رسول الله” ، فهتفت جبال فران وهي جبال مكة مرددة أصداء توحيدهم ، ألم أقل لكم إن التسامح كله خير وهل هناك تسامح أكبر وأرقى وأجمل من هذا؟!
نعم جاء محمد ليعلم البشرية جمعاء كيف يكون العيش بالتسامح ليس بين المسلمين فقط بل بين كل الناس ، بل مع كل المخلوقات أحيائها وجمادها.. أليس هو من قال ( اذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) ، أيُّ رحمة يحملها هذا النبي الرحيم المتسامح ؟
وحين جاء الصحابة رضوان الله عليهم بأسرى معركة بدر مقيدين لم يرضى منهم هذا العمل ، فلما قالوا له يارسول الله لو كنا مكانهم لفعلوا بنا أكثر من ذلك ، قال لهم هم ليسوا قدوة لنا…
وأخيراً .. فيا أتباع محمد تعلموا التسامح لتعيشوا راحة في قلوبكم وضمائركم .. التسامح معناه القلب السليم .. معناه دماثة الأخلاق .. معناه الرحمة والشفقة والحدب على الآخرين .. معناه التنازل لا لأجل الثناء بل لأجل الفوز بجنة عرضها كعرش السماء والأرض …
بربكم فـ لنجرب هذا الخلق وأنا على يقين وأنتم كذلك أننا سنعيش كما عاش ذلك الرعيل الأول الذي صحب المعلم والأستاذ الأول في التسامح محمد بن عبدالله النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي لم تشهد البشرية مثيلاً له عبر التاريخ والقرون ..
دعونا نلقي بالمصالح جانباً ونتسامح ونتنازل عن أمور يمكن العيش بدونها ولا تمس العقيدة ، لنعاود قراءة سيرة نبينا .. نعلم أبنائنا ونلقنهم أن هكذا كان محمد وصحبه ، وحينها سوف نخرج جيلاً متسامحاً يتعايش بثقة مع كل بني البشر دون أن يفقد ولو مثقال ذرة من قيمه ومبادئه .
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب