وأنت تطل على ” محافظة بدر ” قادماً إليها من أي جهة ، وتسبقك عيناك إلى تلك المنطقة تجبرك الذاكرة إلى الرجوع للعام الثاني من هجرة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث ” يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ” ، وإذا نظرت يمنة ويسرة تحركت أشجانك مع العدوتين ” الدنيا والقصوى ” حيث كان الفريقان يستعدان للقتال .
وإن سرحت قليلاً أخذتك الذكريات مع رصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للصفوف وفيهم سادات الرجال أبو بكر وعمر وعلي وحمزة والزبير وسعد ومصعب وعمير بن الحُباب رضي الله عنهم في ثَلاث مئة وبضع عشرة رجل لم يسمع التاريخ بمثلهم في غزاة .
ثم تمتد بك صورة لترى نصرة الله لرسوله وقد وقف على القليب – قلب بدر – وهو ينادي صرعى الكفار في خزي ممتد لهم على مدى التاريخ ، وﻻ تلبث أن ينقلك المشهد حيث الشهداء حقاً والمجاهدون صدقاً وقد امتدت أجسادهم على تلك اﻷرض ونالوا أعظم رضى يمكن أن يناله إنسان من رب رحيم كريم .
وأجزم أنه ما من تال لكتاب الله – من أهلها – وهو يمر على سورة الأنفال وآيات غزوة بدر فيها إﻻ وهو يتذكر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وكأنه يحدث نفسه أنه هاهنا نزل جبريل عليه السلام ، وهنا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغاث بربه ، وهنا نزل النصر من الرحمن ، ومن هنا سمع أهل الأرض في ذلك الزمان أن هناك طائفة من الناس ” اسمها مسلمون ” .
وتسير سنوات الزمان وعجلة الليالي واﻷيام لتبقى ذكريات هذه اﻷرض جيلاً بعد جيل إلى عصرنا هذا مع أناس قد ورثوا المجد من اﻵباء والتضحية من اﻷفذاذ فأصبح حب الخير سمة ﻷهل بدر وإيثار الطاعة باق في قلوبهم .
سل أي قادم إلى ” بدر ” وقد أطل على هاتيك الديار ما الذي يلفت ناظريك ؟
ستجيبك عيناه : أنها بيوت الله الشامخة التي بناها المتاجرون مع ربهم على أحسن الطراز وأكمله .
سل كل داخل لمساجد ” بدر ” ما أكثر مايشد بصرك ويلفت مقلتيك ؟
سيجيبك : كثرة المصلين وعظيم العناية في بيوت الله في تسابق عجيب على خدمتها وبذل الغالي والرخيص في سبيل رعايتها .
سل كل من عاشر أهلها – وأفخر أني أحدهم – عن عظيم الكريم وشدة اﻹحتفاء بالضيف ، وعن جميل المحيا عند اللقاء ، وحسن العشرة لمن عرفوا ولمن خالطوا ، سله عن بقاء الوفاء للأصحاب .
سل عن التآلف واﻹجتماع والتقدير والإجلال فيما بينهم ، واحترام الكبير وإجلاله تجده مغروساً في نفوسهم .
سل عن القيم والمبادئ والعلوم التي اتفق عليها أهل اﻷصول والعادات التي عززها الإسلام …
سينبئك الجميع أنها عند أهل ” بدر ” وأنهم طراز نادر قل مثليهم في هذا الزمان .
لقد صارت ” بدر ” وأهلها شامة للزمان في التميز في كل شيء ” في البذل والعطاء ، في الدعوة ونشر الخير ، في الإغاثة ورعاية المحتاجين ، في جميع أعمال البر كلها ، في حسن الخلق وجميل الخصال ” ، فهنيئا ﻷهل بدر بتلك المزايا ، وغبطة لساكنها بتلك الذكريات .
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
مقالات سابقة للكاتب