من الملاحظ وبقوة أن هذه الجوالات ذوات الكاميرات قد أصبحت تشكل خطراً و فتنة للإنسان ، فكم قد رأينا من التصوير لبعض الأحداث ما يثير الاشمئزاز ، فكم هُدمت بيوت كانت آمنة مطمئنة بسبب ذلك.
هذا الأمر يدعو المرء إلى التوقف ووضع علامات استفهام كبيرة بحجم مأساتنا ، ويتساءل ما الذي يدعو الإنسان إلى التوقف عند حوادث الطرقات لا للتأمل وأخذ العبرة من السرعة في القيادة وما ينتج عنها من فظائع ومآسي ، بل يخرج جواله للتصوير ، وقد تستغرب حين ترى تصويراً لبعض الحوادث متى استطاع هذا المصور من تصوير الحادث بهذه السرعة وتكاد تجزم أن جواله ربما يكون في وضعية التصوير طوال الوقت لهذا الغرض ولينال السبق في إرسال الأخبار وأصبح الناس يتسابقون في إحراز الإعجابات دون التفكر في عواقب الأمور.
وكم رأينا من الحوادث الإرتدادية جراء هذا العمل المتهور ما يدمي القلب ويحزن النفس ، بل الذي يحزن أكثر أن الناس أصبحوا حتى في عباداتهم يهتمون بالتصوير أكثر من اهتمامهم بقبول العمل أو رده من قبل الله تعالى ، فتجد في يوم الجمعة وفي الحرم المكي الشريف والإمام يخطب والناس ملتهون بتصوير أنفسهم أمام الكعبة المشرفة ، والحديث الشريف يقول ( من مس الحصى فقد لغى ) لما في الجمعة من قدسية ووجوب الانصات للخطيب يوم الجمعة بل الأمر يتعدى إلى أكثر من ذلك ، ولنقرأ هذا الحديث الشريف [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ) رواه البخاري ومسلم ] ، فما بالك بالحركة والكلام والانشغال بالتصوير ..
ألا يدعو هذا للقلق بشأن مصير عباداتنا ؟ وما الداعي إلى تصوير المعتمر نفسه وهو في لباس الإحرام ؟ ألا يخشى من يعمل ذلك أن يدخل هذا العمل في باب الرياء أم أننا أصبحنا لا نبالي والشيطان يسير مع إبن آدم بل يجرى منه مجرى الدم ليضله ويدخل في نفسه العجب حين العبادة.
ناهيك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط ليقال أن هذا فعل وأصبح الأمر يدعو لبذل الجهود لإنهاء هذه المسأله فقد يصبح هم الإنسان فقط ما يقول الناس عن عمله ، فثناء الناس يزول وينقلب إلى الضد بمجرد أن يخطأ المرء خطئاً واحداً فإذا بهم ينسون كل حسناته بجانب هذه السيئة الواحدة ، فـ إذاً ألا يجدر بالانسان أن يرجح ما عند الله من ثواب على ما عند الناس من ثناء وإطراء ؟ .
هذه الأمثلة التي سقناها هي غيض من فيض مما نرى ونسمع من هذه الأمور التي أصبحت تدعو إلى القلق ، عوضاً عن الفضائح التي يسببها هذا التصوير لبعض ما يجب على المسلم أن يستره على أخيه المسلم لكي يستر الله عليه عيوبه فكلنا أصحاب عيوب …
وخذ مصيبة أخرى حين ترى الناس يصورون ما يعدون من طعام ويتباهون بذلك عوضاً عن شكر النعمة التي بين أيديهم ، ألا يفكر هؤلاء أنهم قد يكسرون قلب فقير معدم لا يجد عشر ما لدى هؤلاء فأي تصرف أرعن هذا ؟
وأنا اسأل من قام بتصوير نفسه أثناء عبادته وبث الصور في قنوات التواصل بشتى أنواعها .. لمن أديت هذه العبادة ؟! أليس طمعاً في ما عند الله من الثواب والجزاء؟ أم فعلته ليقال أنك فعلت ويثني عليك الناس بأنك إمرؤ عابد ؟ إذا كنت فعلته لله فما كان ينبغي عليك فعل هذا وكان من الأجدر أن تدخل بكل مشاعرك وأحاسيسك في عبادتك لربك حتى تكاد لا ترى خلقاً يراك وأنت قد وجهت وجهك للذي فطر السماوات والأرض ، أما إن كانت الأخرى وأنا اسأل الله أن يعيذك من أن تكون من هذا الصنف فاعلم أنك قد أتعبت نفسك وحرصت على ثناء من لا يملك لك ولا لنفسه ضراً أو نفعاً ..
وأنا أسوق كلامي هذا ليس للإنتقاد فحسب بل حرصاً على النصيحة فقد أمرنا ديننا الحنيف أن نتواصى بالحق والصبر.
أخيراً .. ألا يهولنا هذا المنقلب في هذه الآية ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ ، فليراجع كل منا نفسه وفعله فكل منا سيحاسب وحده ويجازى وحده ويدخل قبره وحده وليعلم إن للشيطان خطوات مع ابن آدم ليهلكة ويحبط عمله ..
نفعني الله وإياكم بما نقول ونسمع ونقرأ ، وأن يردنا إليه رداً جميلاً ويبعد عنا الرياء والسمعة وأن يجعل كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب