قال عنه عباس محمود العقّاد بإنه طراز العظمة الذي يتطلبه الشرق في الوقت الحاضر، وفي كل حين، لأن عظمته ليست بالدنيوية المادية، وليست بالأخروية المُعرضة عن الدنيا، “وهو زعيم العمل بين العُدْوتين من الدنيا والآخرة، قوّام بين العالَميْن كأحسن ما يكون القوّام”.
إنه مُحمد إقبال؛ شاعِرُ الإسلامِ الذي حلّقَ اسمُهُ في الآفاق، نَطقَ شِعرًا، ونظّرَ فِكرًا، وبعثَ في الأمّةِ روحًا ـ مع رِفاقِه ـ صحوةً أحيَتها من سُباتِها الطويل.
وُلِد محمد إقبال في مثل هذا اليوم الثالث من ذي القعدة عام 1289هـ، الموافق 9 نوفمبر 1877م، في مدينة «سيالكوت» بإقليم البنجاب بدولة باكستان الحالية، والذي كان جزءًا ساعتها من دولة الهند، وكان أسرته من طبقة البراهمة على الدين الهندي الوثني، لكن هدى الله أحد أجداده للإسلام، فكان بركةً على أبنائه من بعده، ومنهم شاعرنا محمد إقبال الذي حفظ القرآن من صغره، ونشأ نشأة إيمانية صافية كان لها أبلغ الأثر على حياته.
كان إقبال متفوقًا في دراسته، واستمرت رحلة التفوق إلى أن حصل على الماجستير في الفلسفة، سافر على إثره إلى لندن، حيث درس في جامعة كامبردج الشهيرة، وسافر إلى ألمانيا حيث حصل على الدكتوراه، ثم عاد واستكمل الدراسة في لندن ومنها عاد إلى الهند، حيث عمل بالمحاماة.
ووظف محمد إقبال أشعاره لخدمة الإسلام بنشره والدفاع عنه ودعوة الغرب إليه، وكان من أكثر الشعراء تأثرًا بالقرآن الكريم، وقد أخذ إقبال من الشعر سلاحًا يواجه به ضعف وخذلان المسلمين وهجرهم لدينهم، ويبيِّن لهم أنَّ الانتصار لن يتحقَّق إلاَّ بالإيمان، وأن الإنسان لا يصلح إلا بهذا الدين، وأنَّ الدنيا لا تصلح إلا بالآخرة.
كذلك عمل في أشعاره على بيان الفرق الجلي بين الحضارة الأوربيَّة والأمريكيَّة الخاوية على عروشها من أي معنى من معاني الإيمان والرُّوح، وبين الحضارة المسلمة التي جمعت بين الدين والدولة، بين الناحية الرُّوحية التي يحتاج إليها الإنسان في كلِّ يوم، وبين الناحية المادِّيّة التي تنهض بها الأرض في نطاق قضية الإعمار التي أشار إليها القرآن الكريم.
إقبال كان مهتمًا بقضايا المسلمين في كل ربعٍ إسلامي، فرد على أتاتورك الذي ألغى الخلافة وعمل على تغريب المجتمع التركي، كما أرسل رسالة إلى لينين في الاتحاد السوفيتي يقول لها فيها: اتقّ الله، وزار فلسطين والأندلس، ورفض دعوات كثيرة من دول الاحتلال الغربي لأنه كان يرى أن تلبية دعواتهم طعنًا في صدور إخوانه المجاهدين.
ومن المواقف المشهورة له، أن نادر شاه حاكم أفغانستان قد دعاه إلى الحضور إليه، فذهب إقبال إلى أفغانستان فخرج الأفغان ألوفًا مؤلفة في الشوارع يستقبلونه، فأخذ – قبل أن يقابل الحاكم – نسخة من المصحف وأعطاه له، وقال: “يا نادر شاه، والله لن تعلُوَ بشعب الأفغان حتى تأخذ هذه الوثيقة، إنني أتيت بها من الله” يعني: أن هذا القرآن من الله.
لمحمد إقبال مواقف كثيرة وقصائد أكثر في خدمة هذا الدين، لا يتسع المقام لذكرها، ولعل من أبرزها قصيدة “ملكنا هذه الدنيا” والتي يقول فيها:
مَــلَـكْـنَـا هـذه الـدنـيـا الـقـرونَـا *** وأخـضــعـهـا جــدودٌ خـالـدونَا
وسـطَّـرنا صَـحـائـفَ مــن ضياء *** فمـا نَـسِـيَ الـزمان ولا نسِينَا
وكــنَّــا حــيــن يـأخــذنـا قــويٌّ *** بـطـغـيـان نـدوسُ لــه الـجبينَا
تـفـيـضُ قـلـوبُـنا بالهدى بأسًا *** فـمـا تغضي عن الظلم الجنونَا
وقد اختلف الناس في بعض أفكار إقبال، فمنهم من قال إن له بعض الأفكار الصوفية المبتدعة المخالفة لصحيح العقيدة، ومنهم من ذكر تأييده لأتاتروك في مشروعه المناهِض للإسلام، لكن المدافعون عن إقبال قالوا إنه نقض الكثير من تلك الأفكار في أواخر حياته، وأكدوا أنه كان مسلمًا مخلصًا محبًا لدينه، وكان مجتهدًا يصيب ويخطئ كأي بشر.
وفي 21 صفر سنة 1357هـ، الموافق 21 من إبريل 1938م، فقدت الهند والأمة الإسلامية وجموع الشعراء أديبًا فاضلا ومسلمًا واعيًا محبًا لدينه ومخلصًا له ومدافعًا عنه بكلمته وقلمه، حين صعدت روح إقبال إلى بارئها، تاركًا وراءه إرثًا مجيدًا، وفلسفةً أدبية إسلامية تأثر بها الكثير والكثير من أدباء الإسلام الذين أتوا من بعده.