موعدنا اليوم مع سيرة بطلٍ عظيمٍ من أطبال الإسلام، بطل قاد الجيوش وحقق الانتصارات وفتح المدن وحطّم الأوثان وأدخل الإسلام إلى بلاد الهند والسند التي استعصت على الكثير من القادة، كل ذلك وهو لم يتم العشرين من عمره، إنه فخر شباب الإسلام محمد بن القاسم الثقفي.
ولد محمد بن القاسم الثقفي سنة 72هـ بمدينة الطائف في أسرة معروفة، فقد كان جده محمد بن الحكم من كبار الثقفيين. وفي سنة 75هـ صار الحجاج بن يوسف الثقفي والياً عامًّا على العراق والولايات الشرقية التابعة للدولة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان. فعيَّن الحجاج عمَّه القاسم واليًّا على مدينة البصرة، فانتقل الطفل محمد بن القاسم إلى البصرة، حيث يحكمها والده، ثم بنى الحجاج مدينة واسط التي صارت معسكرًا لجنده الذين يعتمد عليهم في الحروب، وامتلأت بسكانها الجدد وقوم الحجاج، وفي هذه المدينة وغيرها من العراق نشأ وترعرع محمد بن القاسم وتدرب على الجندية، حتى أصبح من القادة المعروفين وهو لم يتجاوز بعد 17 عامًا من العمر.
وولاه الحجاج قيادة الحملة العسكرية المتجهة إلى بلاد السند، ولكن محمد بن القاسم اشترط على الحجاج عدة شروط أظهرت نباهته العسكرية وقدرته القيادية، وهي:
ـ أن يكون الجيش كامل التجهيز والإعداد والمؤن حتى لا تتوقف سيرة الفتح، فأمده الحجاج بجيش يقدر بستة آلاف مقاتل مجهزين بكل شىء حتى المسال والإبر والخيوط.
ـ أن يرافق الجيش البرى أسطول بحرى ليكون الهجوم مزدوجاً وفى إتجاهين، ووافق الحجاج.
ـ أن يواصل الجهاد والسير حتى ينتهى من فتح بلاد السند كلها، ووافق الحجاج.
كان لمحمد بن القاسم فى رحلته للفتح المبارك هدفان؛ الأول: الانتقام من “داهر” ملك السند الوثنى الذى قتل المسلمين بأرضه وآخرهم “محمد هارون النمرى”، والآخر: فتح بلاد السند وما ورائها من بلاد الهند ونشر الإسلام فى هذه الربوع الشاسعة.
وبالفعل بدأ البطل الجهاد، وأخذ يفتح الحصون والمدن، وواصل محمد بن القاسم سيره، فكان لا يمر على مدينة إلا فتحها وهدم معابد الوثنية والبوذية بها وأقام شعائر الإسلام وأسكنها المسلمون وبنى المساجد حتى غير خريطة البلاد تماماً وصبغها بصبغة إسلامية تامة.
واستطاع محمد بن القاسم أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة وقد تعجبوا من شجاعته وحسن قيادته لجيش كبير وهو دون الثامنة عشر، وبالفعل أسلم عدد كبير من الزط وهم من بدو الهنود وانضم منهم أربعة آلاف رجل يقاتلون مع محمد بن القاسم وكان لهم أثر كبير فى القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم للغة الهنود.
كانت الأخبار قد وصلت إلى ملك الهند الوثنى ‘داهر’ فاستعد للقاء المسلمين بجيوش كبيرة مع سلاح المدرعات الشهير وهم الفيلة، وقد داخله الكبر والعجب لضخامة جيوشه واستخف بالمسلمين لقلتهم، ولكنه فوجىء بالإعصار الإسلامى يعبر نهر ‘مهران’ الفاصل بينه وبين المسلمين، ويجد ‘داهر’ الذى كان على ظهر فيل كبير نفسه وجهاً لوجه مع محمد بن القاسم وجنوده، ويقتتل الفريقان قتالاً مهولاً لم تشهد مثله أرض السند من قبل ويرى ‘داهر’ جنوده صرعى من حوله تتخطفهم سيوف المسلمين، فنزل من على ظهر فيله المنيع ويقاتل بنفسه حتى يأتيه قدره المحتوم ويقتله المسلمون.
تمكن محمد بن القاسم، من فتح بلاد السند كلها وواصل الفتح حيث أصبح الطريق مفتوحاً إلى بلاد الهند، وبالفعل بدأ محمد بن القاسم فى فتح مدن الهند فبدأ بمدينة ‘سرست’ فدخل أهلها فى طاعة المسلمين، وكانوا بحارة مهرة استفاد منهم المسلمون، وبدا للجميع أن محمد بن القاسم لن يرجع حتى يفتح بلاد الهند أيضا، ولكن حدث تطور مأساوى سريع فى حياة محمد بن القاسم، حي ثمات الحجاج، وعزل الوالي الجديد محمد بن القاسم من قيادة الجيش، وفي مثل هذا اليوم 12 ذي القعدة من عام 95 هـ، مات البطل الشاب محمد بن القاسم الثقفي، رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين كل خير.