في عام 2015م كتبت مقالًا بعنوان (رخصة قيادة التعليم)، وها أنا أعود للتعليم ثانية لإيماني الشخصي بأن التعليم هو مفتاح التقدم، وأن أي شخص كتب الله عليه أن يصبح مسؤولا على رأس الهرم التعليمي، أو مؤثرا فيه، فهو لاشك قد أُسندت إليه أمانة عظيمة، يجب عليه أن يعي ثقلها، والواجب تجاهها، فكل الوزارات في الدولة تساهم في بناء التنمية بطريقة أو بأخرى، إلا أن وزارة التعليم هي الوزارة الأم لكل الوزارات؛ لأنها هي من تصنع وتصقل العقول التي تفكر وتدير تلك الوزارات، والعنصر البشري معروف أنه العمود الفقري للتنمية.
والتعليم حجر الزاوية للتقدم والرقي، كيف لا وهو الأمر الأول الذي نزل من رب العالمين، إذ أمر الله نبيه بالقراءة في سورة العلق، قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾.سورة العلق، الآية 1.
أركان التعليم العشرة:
أعتقد أن التعليم يقوم على مجموعة من العناصر، والتي سوف أسميها مجازًا (الأركان) التي إذا لم يقم أحدها لا تستيقم البناية مطلقا كما يجب، ألا وهي:
(الإدارة، المعلم، الطالب، المنهج، المبنى، الأسرة، المجتمع، السياسة، الاقتصاد، الإعلام).
وحتى نكون منصفين، دعونا نتحدث عن كل عنصر منفردًا، وبعد ذلك نذكر العلاقة الشاملة بينها.
أولا: الإدارة:
الإدارة هي البوابة التي من خلالها يتم وضع السياسات الشاملة للتعليم، وبدأً من الوزارة إلى إدارة المدرسة؛ لأنها باختصار هي المشرفة والمراقبة للأداء والإنجاز، وهي أداة التغيير والتطوير عمومًا، فكلما كانت إدارة التعليم (الوزارة) ذات نظرة شاملة وثاقبة، فحتمًا ستبذل جهدًا كبيرًا جدا؛ لتهيئة بيئة التعليم؛ لتحقيق الهدف المنشود، وهذا يتطلب من الوزارة التركيز على الجودة التي تبنى على الكفاءة في الأشخاص، والاستفادة من كل طاقات المجتمع، ومفكريه؛ ليساهموا في تشكيل السياسات التعليمية بآرائهم ومقترحاتهم.
سؤال: لماذا لا يستفاد من الخبرات التعليمية والإدارية أيًا كانت؟ فنحن في التعليم ضالتنا الكفاءة، فلنأخذها أنا وجدناها، مثلا: لماذا لايُشكل مجلس استشاري تطوعي (بدون تكاليف)، وليكن منسوبوه من خبرات التعليم بأنواعه: العام، والعالي، والمهني، ويكون ذلك في كل منطقة، وعلى مستوى الوزارة (طبعا هذا له آلية لاتخفى على الوزارة إن أرادت ذلك).
والمختصر أن هذا المجلس أو المجالس عموما تعطي رأيها المتخصص في كل قرار قبل اتخاذه (يستأنس برأيها)؛ لأنها أولًا وأخيرًا من أفراد المجتمع المعني بالموضوع.
نعود مرة أخرى للإدارة، ونعلم جيدًا أن لها دورًا في توصيل الرسالة، وعدم توصيلها كمايجب، فالإدارة الواعية المؤهلة تدرك جيدًاا سياسة التعليم، وأهدافها، وتسهم في إنجاحها، والعكس بالعكس، فأول خطوة صحيحة هي انتقاء الأفراد المؤهلين المخلصين، بمعنى نحن لسنا بحاجة إلى مطبلين، بقدر حاجتنا إلى عقلاء ناصحين جادين مجتهدين أمناء على الرسالة، وأداء الأمانة.
والخطوة الثانية: التجديد والتجدد، بمعنى لا يعين مدير إدارة وننساه، يفترض التغيير وإعطاء الفرصة لكل مجتهد، وتدوير الكفاءات؛ حتى يستفاد منها، وليس بقائها حتى تذبل في مكان واحد، بل نجعل نظام التدوير والمنافسة سياسة واضحة؛ لكي يصبح التميز مطلبا لدى الجميع، ويغرس هذا المفهوم لدى الجميع، صغارًا وكبارًا.
الإدارة هدفها أو مهمتها الأساسية تصريف شؤون التعليم (إدارة –مدرسة- مركز…) فإذا لم تأخذ هذه الإدارة في اعتبارها الأركان التسعة الأخرى للعملية التعليمية، حتما ستصبح هي العائق الأكبر، وينحرف مسار قطار التعليم إلى غير الوجهة الصحيحة، أما إذا أخذت ذلك في الاعتبار، حتما سيكون الانسجام هو سيد الموقف؛ لأن الإدارة هي المعنية بالتعامل مع بقية العناصر كاملة، وكل جهاز إدارة على قدر صلاحياته وحدوده الإدارية والجغرافية، حيث الإدارة هي القاعدة التي تقام عليها هيكل التعليم، فإذا كان به خللٌ فلن يرتفع البناء، وإن ارتفع سيكون مائلا، أو مختلًا سرعان ما يتهاوى ويسقط.
التعليم مقياس تقدم الأمم، فالاهتمام بالنوابغ والمفكرين، صغارا وكبارا، أساس النهضة، ولا نريد مجرد جوائز وبهرجة، دون انعكاس على الأرض، فلنوفر أموالنا عن التبذير والاستعراض، وننسجم مع خطط الدولة ورؤيتها بالطريقة الصحيحة، ونصوب كل قصور نراه في مجالنا؛ لأن رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني، تعتبر أن التعليم من أوائل الجهات ذات الأثر والفاعلية في تحقيق الرؤية العامة للملكة العربية السعودية.
وهذا لن يتحقق بدون كفاءات مميزة ومتميزة في أدائها؛ لتجسد لنا على الأرض واقعا كنا نظنه من الأحلام، وبناء على نجاح الإدارة في وضع الإطار العام والاتجاه الصحيح، فإن هذا حتما لابد وأن يأخذ في الاعتبار كافة العوامل الأخرى، والمشار إليها آنفا في صدر هذا المقال من (1-10) حيث يكون فيه تناغم في الأداء، وانسجام في الرؤى؛ لنقود العملية التعليمية لبر الأمان، ولا نتخذ قرارات ارتجالية أو مزاجية، بل مؤسسية ليس من حق من يأتي لاحقا أن يغيرها أو يمحوها بسهولة، ونظل في دائرة مفرغة، كلما جاء مسؤول يرى كل الجهود التي بذلت قبله غير مناسبة، ويقوم بتقويض كل عمل قد تم، لا، ليس هذا المطلوب، انما المطلوب أن يستفاد من كل التجارب والجهود، وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون حقيقة، وليس قولا فقط، هذا إذا أردنا الرقي والتقدم، واختصار الوقت.
سؤال لإدارة التعليم: ما نتائج رعاية الموهوبين؟ وما هي إبداعاتهم الفعلية؟ نسمع أنهم أخذوا جوائز، ولا نعلم ما مصير إبداعهم بعد ذلك، لم نشاهد منهم من تبوأ منصبًا مميزًا في مجاله، أو قد يكون، ولكن لم يتم التنويه عنه وتركه، رغم أن ذلك يؤثر في من هم أمثاله، ويشجعهم ويحفز الآخرين نحو الإبداع.
الحديث عن الإدارة لا تكفيه هذه الصفحات، ولكن كما قيل يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وفي مناقشة الأركان الأخرى، سيتم تغطية بعض النقاط الهامة، وبعد ذلك سيتم تلخيص شامل للأركان العشرة، التي سبق ذكرها في مقدمة المقال.
ونلتقي بإذن الله تعالى في المقال الثاني عن العنصر الثاني، الذي يعتبر من أهم العناصر، ألا وهو (المعلم).
وأخير نسأل الله، أن يوفق كل من يسعى إلى رفعة وتقدم هذا البلد، الذي يحتضن الحرمين الشريفين، ويبذل الغالي والنفيس في سبيل تطويرهما، والحفاظ عليهما على الدوام، والحمد لله رب العالمين.
د. حمد البشري
مقالات سابقة للكاتب