استكمالا للحديث عن التعليم وأثره على التنمية والتي تم التطرق له في المقال الأول الذي تضمن إلقاء الضوء على الركن الأول من أركان التعليم وهو (الإدارة)، فقد تم تخصيص هذا المقال للحديث عن (المعلم) الذي يعتبر العمود الفقري للعملية التعليمية برمتها، بالرغم من أهمية الأركان الأخرى مثلما ذكرنا.
المعلم:
يعد المعلم العمود الفقري للعملية التعليمية برمتها، حيث يتم من خلاله إنجاز جميع الأهداف التعليمية؛ لذا إعطاؤه الاهتمام الكبير أمر طبيعي، وأخذه في الاعتبار عند كل تطوير وتنمية من الأهمية بمكان ودلالة من دلالات ومؤشرات النجاح.
والمعلم يعيش التزاما تجاه منظمته مما يؤثر على أدائه إيجابا وسلبا، وفي دراسة عن الالتزام التنظيمي قام السيد (Meyer & Allen ) بتصميم إطار تطبيقي لقياس ثلاثة أنواع من الالتزام التنظيمي عام 1991:
أ ـ الالتزام الاستمراري: ويشير هذا المفهوم إلى قوة رغبة الفرد ليبقى في العمل بمنظمة معينة لاعتقاده بأن ترك العمل فيها سيكلفه الكثير، فكلما طالت مدة خدمة الفرد في المنظمة فإن تركه لها سيفقده الكثير مما استثمره فيها على مدار الوقت مثل: (خطط المعاشات، والصداقة الحميمة لبعض الأفراد)، وكثير من الأفراد لا يرغب في التضحية بمثل هذه الأمور، ويقال على هؤلاء الأفراد أن درجة ولائهم الاستمراري عالية.
ب ـ الالتزام الوجداني: ويعبر هذا المفهوم عن قوة رغبة الفرد في الاستمرار بالعمل في منظمة معينة؛ لأنه موافق على أهدافها وقيمها، ويريد المشاركة في تحقيق هذه الأهداف، وأحياناً تلجأ بعض المنظمات إلى إحداث تغيير جوهري في أهدافها، وقيمها، وهنا يسأل الفرد نفسه عما إذا كان باستطاعته التكيف مع الأهداف والقيم الجديدة، فإذا كانت الإجابة بنعم فإنه يستمر بالمنظمة، أما إذا وجد أنه سيصعب عليه التكيف فسيترك العمل بالمنظمة.
ج ـ الالتزام المعياري: ويشير هذا المفهوم إلى شعور الفرد بأنه ملتزم بالبقاء في المنظمة بسبب ضغوط الآخرين، فالأفراد ذوو الالتزام المعياري القوى يأخذونه في حسابهم إلى حد كبير، ماذا يمكن أنه يقوله الآخرون لو تركوا العمل بالمنظمة، إذًا فهؤلاء لا يريدون أن يتركوا انطباعاً سيئاً لدى الزملاء بسبب تركهم للعمل، وبالتالي لهذا التزام أدبي حتى ولو كان ذلك على حساب أنفسهم.
ولابد أن يعيش المعلم توازنا نفسيا في كافة الأمور والعوامل لكي نحصل على إنجاز ذي جودة عالية، ومعظم الاختلالات التي تحصل تؤدي إلى تسرب المعلمين من المنظمة في الغالب مبكرا، وإن كانوا بحاجة إلى العمل والدخل، حيث إن الدخل ليس الجاذب الوحيد للبقاء على رأس العمل.
ومن خلال البرامج التدريبية المدروسة يتم الإسهام في زيادة مستوى المعرفة والمهارات وتحسين الأداء والسلوكيات، وتنمية مهارات جديدة قد تدفع وترفع مستوى الإبداع الوظيفي وأداء الموظفين وتنمية مهاراتهم.
و لايتم ذلك إلا من خلال الإدارة الواعية المؤهلة التي تدرك جيدا سياسة التعليم، وأهدافها، وتسهم في إنجاحها كما يجب. ونحن مجتمع ــ ولله الحمد ــ لدينا منهج إسلامي من أفضل المناهج؛ حيث يعتمد على القرآن والسنة في المقام الأول، وهنا استشهد ببعض تمت الإشارة إليه في مقالات وبحوث الدكتور عبد الكريم بكار، والتي قام بجمعها علي بن نايف الشحود.
حيث ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير الكثير من النصوص التي تنتقد بعض تصرفات الصحابة، وتدلهم على ما هو أفضل وأصوب، وقد وعى المسلمون المغزى العميق لذلك، ومارسوا النقد بصيغ عديدة، ولطالما كان النقد البنّاء عامل تحرير للأمة من كثير من الزيغ والخطأ على ما هو معروف ومشهور.
فمثلا لو تساءلنا: مالذي يعطي المشروعية للنقد، ويجعل منه شيئًا لا غنى عنه لاستقامة الحياة؟ لوجدنا أن ما يمكن التحدث عنه في هذا الشأن كثير، لعل منه أنه حين نخطط لأمر من الأمور، أو نحاول اكتشاف ميزة عمل من الأعمال، فإن من الواضح أننا لا نستطيع الإحاطة بالاعتبارات التي تجعل قراراتنا صائبة على نحو قاطع، هناك دائمًا حقائق غائبة وأجزاء مطموسة، ومعلومات غير متوفرة؛ ولهذا فإن علينا أن نبني خططنا ونظمنا ومناهجنا على أنها أشياء قابلة للمراجعة، ومحتاجة للتصحيح والتطوير ، ولن نكون موضوعيين إذا فعلنا غير ذلك.
إن الطبيب حين لا يتأكد من تشخيص مرض من الأمراض، يصف لمريضه علاجا مؤقتًا إلى أن تخرج نتائج الصور والتحاليل، فيصف العلاج النهائي؛ لأن خبرته الطبية دلته على السلوك العلاجي الملائم، إن ما هو مطلوب من المعرفة لاتخاذ القرار الصحيح هو دائمًا أكثر من المتوفر، ولهذا فإننا ونحن نخطط، وننظِّر نتحرك في منطقة هشة، ونستند إلى معطيات غير كافية.
إن علينا أن نعتقد أننا نقوم بعمل اجتهادي، قد يتبين أنه صواب، وقد يتبين أنه خطأ، وإن كثيرًا من الذين ينفرون من النقد، لا ينظرون إلى هذا المعنى، ولا يهتمون به، ولو أنهم أدركوه بعمق لرحبوا بالنقد بوصفه كرة أخرى على صعيد الاستدراك على قصور سابق.
الطالب هدفنا والطريق إلى تغييره يبدأ بقلبه ومفتاح الوصول إليه بيد المعلم، فلنعي ذلك ونتذكره دائما، ولن يكون المفتاح مفيدا إلا إذا كان المعلم مخلصا وقدوة، لديه ريادة ثقافية وتميز في الأداء وإسهامات في التنمية، وما مشروع كن قدوة الذي تبنته إمارة منطقة مكة إلا إيمانا بأهمية ودور الفرد القدوة أينما وجد، والمعلم من أهم هؤلاء الأفراد، إذا أعددناه كما يجب ليعطينا ما نريد.
فالتعليم النوعي العالي الجودة في المملكة العربية السعودية هو السبيل الأوحد لتحقيق التنمية بشتى مجالاتها: (الاقتصادية، والاجتماعية) وكذلك هو أساس النهضة الحضارية في وطننا الغالي.
ويمكن التركيز على تطوير المعلمين باعتبارهم حجر الزاوية في جهود التركيز على تطوير العملية التعليمية، وبما ينعكس إيجابا على تعلم الطلبة.
والحديث عن المعلم لايكفيه مقال، وإنما يعتبر هذا إشارة واضحة؛ لهذا الركن في العملية التعليمية التي لا تستقم بدونه أبدا، والحر بالإشارة يفهم.
ونلتقي بإذن الله تعالى في المقال الثالث عن الطالب الذي يعتبر محور العملية التعليمية برمتها، وأخيرًا نسأل الله أن يوفق كل من يسعى إلى رفعة وتقدم هذا البلد، الذي يحتضن الحرمين الشريفين، ويبذل الغالي والنفيس في سبيل تطويرهما، والحفاظ عليهما على الدوام، والحمد لله رب العالمين.
مقالات سابقة للكاتب