ليس مستغرب أن نجد تسفيه الثقافات للآخرين المخالفة متأصل بنفوس أهل الآفاق الضيقة وأشباه المتعلمين ، فعادة الإرث الثقافي هو تراكمي عند كل أمة ويجد له تفسيرات عند اهله ، فالثقافة هي المشهد التي نرى الأمم من خلالها ، واحترامنا لها هو احترام للإنسانية وإرثها حتى لو أنها تخالف ثقافتنا جملة وتفصيلاً ، ولايحق لنا أن نلغيها أو نسفها بجرة قلم لأنها لم تأتي على ماتشتهي أنفسنا ، وغير هذا احترامنا للآخرين هو احتراماً لثقافتنا وعدم السماح للآخرين النيل منها أو من خصوصياتها ، ولايظن أحد انه بمنأى عن إيجاد ثغرات بثقافته من الآخرين والتهكم عليها ، وفتح باب السخرية والتسفيه عند كل أمة من الأخرى هو أول علامات النفور والنزاعات بين الأمم ، وبالتالي الوصول إلى حالة كراهية وعداء.
الأمة الإسلامية من بداية توسعها بالفتوحات على أيدي الصحابة ومن بعدهم التابعين احترمت هذا الاختلاف بالأمم التي اختلطت معها ، واحترمت حق تعبدهم وحق عاداتهم وتقاليدهم ولم تجبرهم على ثقافتنا ، فالفتوحات الإسلامية دخلت الشرق والغرب وبها أشكال وألوان من ثقافات مختلفة ، ومع هذا لم تزيل معبد أو تجبرهم على ترك ثقافتهم ، نعم احترام الاختلاف هو قمة التقدم والرقي وهو المقياس الذي من خلاله ينظر لنا الآخرين ، أما عكس ذلك فهو مايدخل الأمم بنزاعات لاطائل منها غير كسب عداوات كان يمكن تجنبها ، وأولى خطوات التربية السليمة التي يجب غرسها بعقول الناشئة هو تعلم ثقافة الاختلاف واحترامه لا أن نجعل منه مادة دسمة من السخرية والتعجب ! ..
ومايحصل اليوم من أزمات ثقافية لوطننا العربي هو نتاج تخلف ثقافي دخل لنا خلسة بعصور غاب فيها إرث تركه لنا سيد الخلق ، بدا آثاره السيئة بعالمنا العربي والإسلامي فـ شتت شمله ..
نعم إذا أردنا التفاهم مع الآخرين والتحدث معهم علينا أن نعي واقعهم الثقافي ، وليس من المقبول من اليوم أن نكون حبسين ثقافة الأبواب المغلقة والنظر للآخر بالتوجس والريبة دوماً إذا أردنا الوصول لعقولهم وقلوبهم ، وعصرنا الحالي يحتم علينا أن نعيش ونتعايش مع الكل .
عايد عيد المحمدي
مقالات سابقة للكاتب