من أسباب نشأة الليبرالية الغربية هو التسلط الجائر من قبل رجال الدين المسيحي والسياسة الغربية على شعوبهم؛ بسلب الأموال والقتل بغير حق وقمعهم بالزور والبهتان، ومما ساعد ذلك أن البابا في المسيحية يمتلك السلطة ويصبح أحد المتحدثين باسم الرب، وهذه من أسباب انحراف المسيحية.
وأخشى أن يصل بنا الحال إلى هذا، فقد مرت تلك البلاد بجهالات وجور وتجارب أيديولوجيه سابقة فشلت وحولت المدن إلى عناوين في أدب الديستوبيا، حيث كانت الشعوب مضطهدة من هذا الظلم الجائر، حتى خرج الفلاسفة آن ذاك بالليبرالية والثورات والشيوعية والاشتراكية، والرأس مالية والعلمانية.. إلخ.
فوضعوا حلولًا لمحاولة مواجهة هذا الفساد الساكن في مجتمعهم الغربي، ونجحوا في المحاربة لا في الإصلاح، فلقد واجهوا الفساد بفساد آخر، حتى أصبح الوضع الاجتماعي والسياسي صفحات بيضاء لتجارب المفكرين، وبرز الفشل للمجتمعات، وأفصح الماليون منهم والمحامون والسياسيون والشعوب، كذلك أيقن ذلك الغرب أنها ليست حلول إصلاحية، وإنما كانت وسائل تحارب وتواجه بها ذاك السجن الشائك الذي لوث جدران أوطانهم.
فهذا موجز عن بداية ظهور الليبرالية في تلك الفترة، وتطبيق هذه الأنظمة القديمة منذ القرن السابع عشر، وما تلاه في العالم العربي من أمر يدعو للسخريه منه، فالأوضاع مختلفة والسياسات وطبيعة المنطقه وثقافتها من تمنع تكرار الأمر، وكل تلك الأفكار فشلت عندنا، ولم تجذب إليها سوى كل جاهل.
ومازال المطالبون العرب غير واعين لمعنى الحرية واحترام وجهات النظر والقيم الدينية لمن معهم في هذه الدولة ، كلّ منهم قرأ وتأثر بالأدب الفرنسي والروسي وأصبح يريد أن يتوج من المخلدين؛ كمؤسسي الليبرالية السعودية،
كما نقل وبرز “ماي تسي تونغ” في الصين و”لينن” الروسي الشيوعية، وللأسف عندما نجد أسماء بارزة في الأدب العربي هم كذلك متأثرين بمنهج الأدب الفرنسي في التحليل والنقد، وأصبحت الساحه الأدبية العربية متلونة وغير سيادية في رؤيتها وعرض أفكارها.
عندما يكون سكان المملكة العربية السعودية قد اختاروا القيم الدينية في حياتهم، وهم النسبة الأكبر في هذه الدولة، ألا يجب على الليبراليين العرب أن يحترموا تلك المقدسات وتوجه المسلمين وأفكارهم وحريتهم في ذلك؟! كيف يريدون الحرية إذ لم يحترم الفرد منهم الطرف الآخر وتوجهاته؟! وهذا من الدلالات على تخلفهم الفكري المنحرف ومن منظوري الفلسفي (أن الانسان في الأصل دائمًا مقيد تحت أفكاره وليس حرًا مهما حاول التحرر).
هم يعيشون في هذا الوطن، فهل يحق لهم يمرسوا حريتهم المزعومة كما نريد منهم احترام حريتنا؟ في الواقع منذ ألف وأربع مائة سنة، وهذه الأرض للمسلمين، أقصد السعودية، وهم ملتزمون على صراط دينهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذا ما اختاروه ولنا حريتنا كبشر في ذلك، وهذا الصراط يوجب علينا أن تكون أنظمة الدولة وفق الأنظمة الإسلامية، فللمسلمين حق أن تكون لهم دولة وأنظمة خاصه بهم وهذه حريتهم، ويجب على كل من يريد أن يعيش في هذه الأرض التي أسسها المسلمون أن يحترم توجهاتنا وحريتنا في اختيار دستورنا الدين الإسلامي ولمبادئنا وبدون أن يتهجم ويتلفظ عليها أحد.
لنكن مجتمعًا واعيًا، ويجب على كل يساري أن يحترم أنظمتنا ويتقيد بها إذا كان في داخل بلادنا ووجهة المسلمين، وإن لم يعجبه ذلك فيستطيع الهجرة لبلد آخر يستقبله بأفكاره ومنهجيته، فلا يستطيع الليبرالي العربي العيش بدون أن يهاجم ويفرض أفكاره وسمومه على المسلمين، وهذه ليست حرية بل سلب لحريات الآخرين، الليبرالية السعودية أصبحت تسلب حرية المسلمين وأمست تحاربها بفرض أفكار منهجية غربية عليها، أليس للمسلمين حرية في اختيارهم لسبل عيشهم وأنظمتهم وسياساتهم؟ أم ان المتشدقين العرب المطالبين بالحرية المطلقة الكلاسيكية والمعاصرة لايدافعون عن حرية المسلمين في تحقيق هذه الحرية التي ينشدونها؟ وأن الحرية التي يطالبون بها مخصصه لهم ولفئات معينة وللطبقة البرجوازية في المجتمع، بل جل ما أراه محاولة لسلب حرية المسلمين، وفرض هذه الأنظمه المعادية لهم ولقيمهم فقط.
هو بعينه يرضى بفرض أنظمة مختلفة تتسلط على حريته ولخصوصيته في بلدان غربية أخرى عندما يسافر إليها، وفي السعودية لا يرضى بالأنظمة، لا يعرف معاني الحرية واحترام الوجهات الأخرى، فقط جل ما يفعله المهاجمة والمحاربة باسم الحرية والعلمانية لمصالحه ولإخلال أمننا.
ففي نهاية الأمر تجد أن الليبرالية الغربية المعاصرة لا تعترف بأن الليبرالية السعودية تمثلها، وأن الليبرالية الأم التي خرجت من أفواه فلاسفتها المنشئين لا تعترف بكليهما، وجميعهم في وحل لا إصلاح منه.
مروان المحمدي
مقالات سابقة للكاتب