حدث في مثل هذا اليوم: وفاة «الظاهر بيبرس» قاهر الصليبيين والتتار

إن المتتبع لتاريخ الأمة الإسلامية يجد أنه مهما كانت الأمة الإسلامية تُعاني من لحظاتِ ضعفٍ وهوان؛ إلا أنه لابد أن يُقيّض الله لهذه الأمة رجالًا يُجاهدون في سبيله وينصر بهم دينه ويعز بهم الإسلام، ومما لا شك فيه أن أحد هؤلاء الرجال هو «الظاهر بيبرس» القائد المغوار قاهر الصليببين والتتتار.

والظاهر بيبرس حكايته عجيبة؛ ككل حكايات ملوك دولة المماليك بمصر، فقد وُلد ركن الدين بيبرس البندقداري على أرجح الأقوال عام 625هـ، في منطقة “قيرغيزستان” بوسط آسيا، وتقول الروايات إنه تم اختطافه من بعض اللصوص، ثم أخذ يُباع في سوق الرقيق حتى وصل إلى الأمير الأيوبي «علاء الدين أيدكين الصالحي البندقداري» وبه أخذ بيبرس لقبه «البندقداري»، ثم آلت ملكيته إلى السلطان الصالح «نجم الدين أيوب» ومن هنا بدأت مسيرة الصعود.

فقد أظهر «بيبرس» في خدمة الملك الصالح هِمّة وشجاعة ميزته بين أقرانه، فضمّه الصالح إلى قوات الأمير «فارس الدين أقطاي» حتى أصبح من كبار القادة المماليك، وعندما وصل «لويس التاسع» بحملته الصليبية إلى مصر؛ كان بيبرس من الذين تصدوا له في معركة المنصورة، فأسر لويس التاسع وانهارت حملته.

وجرت أحداث سريعة، حيث مات الملك الصالح، واغتيل على إثر ذلك أقطاي، وتولى حكم مصر «عز الدين أيبك» عدو أقطاي اللدود، فخشي بيبرس أن يبطش به أيبك، فخرج من مصر إلى الشام.

ثم اغتيل أيبك كذلك، وآل حكم مصر إلى الأمير «سيف الدين قطز» فقام على الفور باستدعاء بيبرس من الشام لمعاونته في إيقاف زحف التتار على الشرق، فتمكنا معًا من سحق التتار في معركة «عين جالوت» وعهد قطز إلى بيبرس بمهمة ملاحقة فلول التتار وتشتيتهم، وتم اغتيال قطز في عز انتصاره على التتار، وهنا تجدر الإشارة أنه لم يثبت تاريخيًا بيقين أن بيبرس هو قاتل قظر كما هم مشهور عند عامة الناس، لكن بعد اغتيال قطز لم يجد المماليك من هو أحق من بيبرس لتولي حكم البلاد.

اتصف بيبرس بالحزم ، والبأس الشديد، وعلو الهمة، وبعد النظر، وحسن التدبير، واجتمعت فيه صفات العدل والفروسية والإقدام، فلم يكد يستقر في الحكم حتى اتخذ عدة إجراءات تهدف إلى تثبيت أقدامه في الحكم منها: التقرب من الخاصة والعامة؛ بتخفيف الضرائب عن السكان، كما عفا عن السجناء السياسيين، وأفرج عنهم، كما عمل على الانفتاح على العالم الإسلامي لكسب ود زعمائه، وقام كذلك بالقضاء على الحركات المناهضة لحكمه، وأعاد الأمن والسكينة إلى البلاد، وأحيا الخلافة العباسية من جديد بعد أن قتل التتار الخليفة، ففرح الناس بذلك وتفاءلوا خيرًا بالسلطان الجديد.

أما عن جهوده العسكرية الجهادية ضد أعداء الإسلام فحدث ولا حرج؛ فيكفي أن تعرف أن بيبرس لم يهزم تقريبًا أي في معركة ضد أعداء الإسلام، وقد عمل بيبرس على تصفية الوجود الصليبي في الشام، وكان له الفضل في تطهير مدن قيسارية وأرسوف وطبرية ويافا وأنطاكية من الصليبيين، كما قضى على دولة «الحشاشين» الباطنية الشيعية المتطرفة التي كانت خنجرًا في قلب الأمة الإسلامية، وكذلك هزم المغول هزيمة نكراء في موقعة «أبلستين» حيث حلت الهزيمة الساحقة بالمغول وحلفائهم من السلاجقة، وفر زعيم السلاجقة بعد أن قتل عدد كبير من رجالة ورجال المغول.

وحرص بيبرس على تطوير الجهازين الإداري والعسكري، فاستحدث بعض الوظائف الإدارية لم تكن معروفة في مصر، وطور النظام القضائي، حيث عين أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة وسمح لهم أن يعينوا نوابًا عنهم في الديار المصرية، ومنع بيع الخمور، وأقفل الحانات في مصر وبلاد الشام، ونفى كثيرًا من المفسدين، ومن إنجازاته على مستوى البناء والعمران: جدد بناء الحرم النبوي، كما جدد بناء قبة الصخرة في القدس، بعد أن تداعت أركانها، وبنى المدرسة الظاهرية بين القصرين، وعين فيها كبار الأساتذة، وأعاد بناء القلاع التي هدمها المغول في بلاد الشام مثل قلعة دمشق، قلعة الصلت، قلعة عجلون وغيره، وعني بيبرس أيضا بالتجارة وسعى لتأمينها، وصك عملات خالصة نقية حازت على ثقة الناس، فازدهرت التجارة في عصره وعم الأمان ربوع دولته.

وبعد حياة عامرة بالبناء والجهاد الذي لم يتوقف يومًا؛ وفي مثل هذا اليوم (27 محرم عام 676هـ) توفي الظاهر «بيبرس» بعد أن دون اسمه في السجل المشرّف لعظماء الذين ذادوا عن حياض الدولة الإسلامية ورفعوا عليها راية الدين خفاقة عالية، فأمن بفضلهم الناس وأينعت في عهدهم الأرض، ألا فرحمة الله على المُجاهدين المُخلصين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *