بسم الله الرحمن الرحيم.. بالأمس القريب قرأت في صحيفتنا الغراء هذه ـ وهي التي لا تألو جهدًا في إيصال كل ما يفيد هذا المجتمع والوطن ـ هذا الخبر الذي بقدر ما أصبت بالذهول من وقوعه؛ كذللك شعرت بالحزن حياله، هذا الخبر مفاده وأنا هنا أقتطع من نص الخبر (أظهرت الإحصاءات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، أن عدد الحوادث المروريةالتي وقعت في المملكة عام 1437هـ (2016)، بلغ533,380 حادثاً، نتج عنها 38,120 مصاباً و9,031 حالة وفاة.) ثم أردفت الصحيفة قائلة (ويبلغ معدل الحوادث اليومي نحو 1,461 حادثة؛ ينتج عنها نحو 25 حالة وفاة، و104 حالات إصابة، غالبيتهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاماً) انتهى.
ولقد تأملت في عبارة “غالبيتهم من الشباب” فأدركت الأكمة وما وراءها، وأدركت كذلك أن العالم من حولنا يشيخ ويتسارع إليه الهرم والشيخوخة، وبالذات في الدول التي نراها متقدمة ومتطورة، وهي كذلك وأمتنا هي التي تزداد فتوة وشبابًا وعنفوانًا، فهل أدرك شبابنا هذا الأمر؟ فإن كان فإني أتساءل في مرارة: ما هذا التهور الذي نحن فيه؟ ما الذي نتج عنه سوى خسارة الأرواح أولا، وليس هناك عوضًا عن الأرواح، ثم هدرًا للممتلكات والأموال وهي اقتصاد تقوم عليه المجتمعات والأوطان والدول؟
لابد لشباب الامة أن يعي تمامًا أنه يشكل ثروة لا يعادلها شيء، ثروة تبني الأوطان، عليهم الآمال العراض، ويجب أن يلقي المهتمون بعلم الاجتماع وما في حكمه؛ في روع الشباب أن حياتهم ليست مجرد أنفس تغذى بالطعام والشراب؛ بل قبل ذلك هي روح خلقها بارئها لتخلف في الأرض وتبني وتعمر، فليس من الجدوى ولا المعقول أن يهدر الشباب أعمارهم في مركبة لم يكن هو صانعها أو شريكًا في صناعتها، بل إن كثيرًا منهم لم يشارك حتى في قيمة شرائها.
لماذا نجعل الأمم من حولنا ينظرون إلينا على أننا أمة مستهلكة فقط؟ متى ندرك ويدرك الشباب أننا لم نُخلق للهو فقط؟ متى يتحمل هذا الشباب المسؤولية ولو بالحفاظ على روحه هو؟
والله انها لمأساة تدمي القلب وتدمع العين، وأنا هنا لا أقف موقغ المتشائم أبدًا، ولكن ألا يجب أن نكون جادين ولو لمرة واحدة؟ لماذا نرهق الدولة في بناء المستشفيات ومراكز التأهيل من جراء الحوادث؟ ألم يكن من الأفضل أن تستثمر هده الأرواح والأموال في بناء مصانع ومعاهد ينتسب إليها الشباب، فيبني منها نفسه ووطنه فتعم الفائدة على الجميع.
متى يعي شبابنا أن مايرونه في الأفلام الهليودية إنما هي مجرد خدع سينمائية ولن تكون حقيقة على أرض الواقع مهما حاول صانعوها إيهامنا بذلك؟ متى يدرك هذا الشباب أن هذه الأفلام صنعت لنزف جيوبهم، ومن ثم التأثير على عقولهم، فتصل بذلك لنزف أرواحهم الغالية على آبائهم وأمهاتهم ووطنهم وأمتهم.
ونحن دائما ما نتحدث عن حوادث السيارات في الطرقات إلا وتقفز أمامنا سوء استعمال التقنية المعلوماتية في الشبكة العنكبوتية، إن من يريد أن يتطلع إلى ما يكتب في شبكات التواصل يجب أن يكون عقله وقلبه حاضرين لهذا الأمر، فكيف نستطيع الربط وفهم ما يكتب أو ينشر مع قيادتنا للمركبة؟ لابد من أحدهما ولا يمكن أن يدرك المرء الأمرين معًا في نفس الوقت، هذا إن سلم من مفاجآت الطريق، فلابد من إعادة قراءة وتصفح المنشور مرة أخرى حين يخلو الإنسان بنفسه، إذًا لماذا لا نترك أمر التصفح جانبًا ونركز كل التركيز على القيادة حتى نصل سالمين بإذن الله إلى مبتغانا وغايتنا ووجهتنا؟
فكم من الحوادث المميتة وقعت بسبب الجوالات، وكم رأينا وسمعنا من هذه الحوادث ما تجعل الإنسان العاقل يراجع نفسه ألف مرة قبل أن يقحم نفسه في أتونها ومآسيها.
يجب أن نقف وقفة جادة ونبحث عن حلول ناجعة كل على قدر مسؤوليته، ولقد تعجبت من شخص اقترح أن تستورد البلاد سيارات وتضع مواصفات أن لا تسير السيارة أكثر من 120 كيلو مترًا، في الساعة، فتعجبت بقدر ما أعجبت بالفكرة، هل نحن وصلنا إلى درجة أننا لا نفقه ما ينفعنا وما يضرنا؟ وهل نضع قوانين بحيث نضع مع كل سائق مركبة جندي مرور بجانبه ينبهه كلما زاد في سرعة المركبة؟ والله إن هذا الأمر غاية في الغرابة، وأرجو أن لا نكون قد وصلنا إلى هذا الحد من الاستهتار وعدم المبالاة بأرواحنا التي أئتمننا الله عليها.
لقد زاد الامر عن حده، ويجب أن تكون هناك وقفة جادة وقوانين صارمة تأخذ على يد السفيه لأجل أن لا يهلك نفسه وأسرته ومن حوله ممن يتشاركون معه في هذه الطرقات العامة، وليفهم جيدًا من أراد التهور أن الطريق ليس ملكًا له وحده، فهناك من لهم حق فيه كما هو له الحق، فلا يجب أن يكون الإنسان أنانيًا لا ينظر إلا إلى مصلحته هو دون مصالح العباد.
وأخيرًا أرجو أن لا أكون قد قسوت بمقالي هذا؛ فوالله إني شفيق على الشباب كشفقة الوالد على ولده حين يقسو عليه أحيانًا لكي ينبهه على خطأ ارتكبه، فكل الشباب في هذا الوطن بل في هذه الأمة هم أبناؤنا يسوؤنا ما يسوؤهم، ويفرحنا ما يفرحهم، فنحن أمة قال عنها رسول الله ﷺ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) من هذا الوصية الجامعة خرج مقالي هذا، وأسأل الله أن يردنا إليه ردًا جميلًا، وأن يبصرنا بعيوبنا، إنه الهادي إلى سواء السبيل.
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب