الشكر كل الشكر لمن اخترع المرآة فهي ترينا ملامحنا بكل صدق كما هي وكما خلقت عليه، وبها نقوم بتنظيف ما يشوب الوجه كل صباح وفي كل وقت، وبها نرى تسوس الأسنان وبها ننظفها، وبها نطمئن على أناقتنا قبل حضور أي مناسبة، وهي التي تعطينا إشارة القبول والرضا التام عن مظهرنا الخارجي، ولكن نسي من اخترعها أن يجعلها ترينا ما بدواخلنا من نقص وعيوب وشوائب.
وقد جلست على منضدتي أفكر مليا وذهابا وإيابا بين أفكار تناطحت في رأسي حتى أصبحت أشعر أن حرب البسوس في رأسي تدور، وكلها تتحارب لكي تجيب على سؤالي الذي أسهر عيني وقلمي، وهذا السؤال هو أين أجد مرآة لعيوبي الداخلية؟، فوقفت فكرة بين الأفكار صائحة تقول: وجدتها.. وجدتها.. وقالت تلك الفكرة لي أنه يوجد بداخلك شيء يسمى (الضمير) قلت: وماهو الضمير؟ فقالت: هو مرآتك الداخلية ترى بها عيوبك وذنوبك ونواقصك، فهدأت الأفكار في رأسي وتوقفت عن الكتابة دقائق معدودة، ووقفت أمام مرآتي أنظر إلى نفسي لعلي أجد ضميري هذا أو حتى يجيبني عن ما أريد.
فتنادى صوت بداخلي يقول لي أنا الضمير الذي تبحث عنه ماذا تريد؟ قلت له أريد أن أعرف عيوبي وذنوبي؟ فقال لي: هي لا تخفى عليك ولكن امسح غبار مرآة ضميرك التي غشاها غرور الحياة الدنيا، فمسحت ذلك الغبار بكلمات الندم وتجلت لي نفسي بكل عيوبها وذنوبها، كأنني أول مرة أراها .
رأيت عيوباً فظيعة ونواقص مريعة لم تخبرني بها مرآتي الزجاجية، كنت أحسب أن العيب فقط ما تظهره لي مرآتي الزجاجية، وكنت مخطئ في ظني، فالمرآة الزجاجية تريك ما تراه وتنافقك فترى نفسك خالي من العيوب والنواقص، ولكن مرآة ضميري كانت أصدق منها، فعلمت أن “إبراهيم سيدي” مجموعة إنسان لا تنتهي من العيوب والنواقص، مجموعة إنسان كل ما أغلق باب عيب فتح آخر، وكلما لاح بريق الغرور أظلمه رعده، وهذا حالي حتى توقفت عن رؤية مرآة الضمير، وعدت أنظر لمرآتي الزجاجية انتهى كل ذلك، لم أعلم لماذا .. هل لأنني أخاف مواجهة عيوبي؟ أم أنني أحب أن أرى المزايا التي بمظهري الخارجي والداخلي دون العيوب، وعندما كنت صغيراً كنت لا أرى إلا المزايا ولكن لماذا أصبحت أرى العيوب أيضاً؟ ولعل جواب سؤالي هذا أنني عندما كنت صغيراً لم أكن أحتاج لمرآة ضمير بل أحتاج لمرآة زجاجية، وذلك لصفاء نفسي وبرائتها من الحقد والغل والحسد والكره، وكل العيوب وتمنيت لو بقيت صغيراً.
وأنتم يا إخوتي وأخواتي الكرام لا تخدعكم مرآتكم الزجاجية ولا تطيلون النظر إليها، فهي ربما قد تخدعكم أو تنافقكم، أو ربما أنتم تخدعونها بزينة الزي أو قصة شعر جميلة ، أو عملية تجميلية ناجحة، خداع بخداع ولكن مرآة الضمير لا تخدعكم ، فلينظر كل منكم لمرآة ضميره فهي أصدق من المرآة الزجاجية التي لا تبتعد عن القالب الطيني الواقف أمامها ولا تستطيع أن ترى سواه، لا تستطيع أن تريكم غرور بعضكم أن تريكم كذب بعضكم ،وأن تريكم تكبر بعضكم ، وأن تريكم حسد بعضكم، كل هذا تريكم إياه مرآة ضميركم فلينظر كل منكم إلى مرآة ضميره، ويرى عيوبه ، صدقوني سوف يرى عجائب الدنيا وغرائبها، سوف يرى ما كان عنه قد غفل ، وبعد قراءة هذه المقالة أتمنى أن يطول نظركم ونظري إلى مرآة الضمير لا إلى مرآة الزجاج.
إبراهيم سيدي @abr14ab
مقالات سابقة للكاتب