في عِشق الكتب

جلست مع ابنتي (ليل) نتجاذب أطراف الحديث، والحديث دائمًا ذو شجون وتشعبات، ولكننا حصرنا حديثنا عن متعة القراءة وشغف التصفح؛ فطارت بنا التخيلات ووقعت فإذا بنا نتخيل ملمس الكتاب وصوت تقليب الصفحات ورائحة الكتب التي تنبعث منها ذكية ندية ذات شذى.

وكنت أحدثها وهي توافقني الحديث عن سياحتي في المكتبات والتعرف على أصحابها الذين أصف عقولهم بالحاسبات الآلية في زمننا الحاضر، وحفظهم للكتب ومواضعها على الأرفف، وكانت مناقشاتي معهم من ألذ وأروع المناقشات، تعلوها اندهاشات عن مدى براعة المؤلفين الذين أجهدوا أنفسهم في التأليف والتبويب والترتيب، فيا لها من متعةز

وطارت بي الذكريات عن سيري حثيثًا نحو مكتبات مكة المكرمة، وتذكرت منها مكتبة شعيب في حي الجميزة، ومكتبة الفيصلية في حي الفيصلية أو المعابدة، ومكتبة الثقافة في شعب علي، ومكتبة الباز في حي الفلق، وعشرات المكتبات التي تضيق هذه الأسطر عن ذكرها.

هنا أستلهم بل استل الذكريات وأنا أدخل إلى إحدى المكتبات فأجد صاحبها يجلس بين مئات الكتب وهي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، أو إحاطات هالة القمر بالقمر، وكأنه يجلس بين رياض غناء وهي لعمري لكذلك، وأجده يستمتع بجلسته تلك، وكأني به يخبرني أن تواجده بين تلك الكتب ليس لمجرد المادة فقط؛ بل إن متعته تتعدى المادة وأن لمس أنامله لصفحات الكتب تفوق عد أوراق البنكنوت، وكنا إذا اشترينا كتابًا نحرص كل الحرص على تدوين تاريخ شراء الكتاب باليوم والشهر والسنة، وهنا أذكر طرفه حدثت في تلك المحادثة؛ وهي أن ابنتي قرأت تاريخًا لبعض الكتب، فوجدت أن تاريخها يسبق تاريخ ولادتها فتبسمت وقالت يجب أن نحترم هذه الكتب لأنها أكبر منا سنًا.. ما أجمل مكتبات مكة، بل ما أجمل كل شيء يحمل اسم مكة، فهو يستقي البركة من مكة واسم مكة المبارك.

والآن يجب أن اعترف وبأسف أنني لم أعد أستطيع القراءة كما كنت، ربما تكون هذه التقنيات الحديثة وشبكات التواصل قد سلبتنا شغف القراءة برغم ما تيسر فيها من سرعة البحث عن أي كتاب بمجرد الضغط على محرك البحث فنجد مئات أو آلاف الكتب والصفحات بين يدي الباحث والقارئ، وأنا اغبط بعض المثقفين الذين عافوا هذه التقنية خشية أن تلهيهم عن حب وعشق الكتاب الورقي وملمسه الممتع، وإنني كما ذكرت في بعض كتاباتي أن ملمس الخدود الأسيلة والقدود المياسة لا تعادل عندي ملمس صفحة من كتاب وأنا صادق فيما أقول؛ فللكتب شغف وحب بل وهيام حتى الصبابة، ولن يشعر بها أو يحسها إلا من خالطت شغاف قلبه تلك الصبابة وذلك الهيام.

وكنت أتحدث وابنتي تتعجب في اندهاش من وصفي للكتب وتحاول أن تحاكي والكتب أمامها وتقارن بين كلماتي وتقرب الصفحات من أنفها لتشم عبق الكتاب وتتساءل: هل حقًا للكتاب ذلك الأريج الذي أشعر به؟ هنا توقفت وقالت: بارك الله في المؤلفين والكتاب الذين أوصلوا لنا هذا الكم الهائل من العلم المحفوظ بين دفتي هذه الكتب والذين جعلوا أبي سعيدًا مغتبطًا كل هذه السعادة والغبطة، وما يعلو وجهه من ألق وهو يتحدث عن متعة القراءة واقتناء الكتب.

وختمت حديثي معها بقول الشاعر الحكيم: (وخير جليس في الزمان كتاب) والله إنه من أروع وأجمل ما وصف الكتاب به.

وإنني أذكر للقراء الأفاضل أنني لم أستطع لعب أي من الألعاب التي كان الشباب يلعبها (لعب الورق مثلًا) ليس لأنني لا أستطيع؛ بل لأنني لا أجد وقتًا لهذا، وكيف أستبدل تثقيف العقل والولوج إلى قلب تاريخ الماضي ومعرفة ثقافات الأمم التي سبقتنا بشيء آني؟ هذه قناعاتي ولن يلومني أحد، فلكل شخص آراؤه وقناعاته، وحقًا (وخير جليس في الزمان كتاب).

إبراهيم يحيى أبو ليلى .

مقالات سابقة للكاتب

12 تعليق على “في عِشق الكتب

غير معروف

جميل جداً أبو ليلى ولك وللصحيفة جزيل الشكر

غير معروف

لاقوة إلا بالله
عبارات وأحاسيس جميله جدا
تصف وتصل للاعماق

ابوياسر

ماشاء الله تبارك الله ياابا ليلى مقال رائع بعطر الزمن الجميل الله يحفظك ليلى واخوانها

وضاح

الاستاذ الفاضل صاحب الرؤيه الثاقبه والافكار الراقيه والبصيره النيره والتئثير الايجابي وملك مهارة الاسلوب في النصح والتوجيه الذي يدخل العقول ويستوطن القلوب ليقول لنا كاتبنا القدير ابا احمد بطريقته ان القراءه ليست ضروره من ضروريات الحياه ومعرفه ومتعه فقط بل تتجاوز تلك الحدود لما لها من تحفيز وتطوير للصحه العقليه والقدرات الذهنيه والابداعيه وقوة التركيز
ويوجه لنا رساله محب ان نشجع ابنئنا على القراءه فهي اهم بكثير من تسمين الابدان الذي نحرص للاسف عليه
ابا احمد لتعذرني على ما وعدتك به فلا يفتى ومالك في المدينه حينما اقراء ابداعاتك الكتابيه اسئل نفسي من انا امام هذه العبقريه لكي اكتب في صحيفه تضيئها ابداعاتك استاذي الفاضل حفظ الله لك ليال واخوتها فهنيئا لهم بأب فاضل صاحب فكر راقي واخلاق عاليه احببناه من خلال ما يكتب وبما حباه به الله من الاخلاق العاليه وحبه للخير
حفظك الله ابا احمد انت ومن تحب وادام عليكم السعاده في الدنيا والاخره

متابع

مقال جميل ولوتزامن نشره مع معرض الكتاب لكان أجمل !

عبدربه المغربي

ماهذا الحس الرهيف الصادق في زمن قل هذا الحس وعدم أهله ومتخذا الطرح الممتع الذي قل فيه القرّاء وعشاق الكتب لاشلة يمينك وزادك الله علما وتقى وهنيئا ليلى بهذا الحوار وياليتني كنت معكم بجسدي حيث ان حسي معك دائما ابا ليلي لا يمكن الاستغناء عن الكتب مهما تطور العلم وتقنياته (كل علم ليس في القرطاس ضاع)هنيئا لك هذه الروح وهذا العرفان بالجميل لمكة وماتحويه مكة في زمن قل فيه العرفان بالجميل زادك الله علما وعمرا وحسا
مهما كتبت ومهما قلت فلن نوفيك حقك وأخيرا وليس آخرا سرا والله معك ولا تنظر لاراء المثبطين امضي والله معك ونحن من وراءك ومتعنا بمزيد من هذه الاطروحات فإننا بحاجة ماسة لها
اخوك ابونضال
الله يحفظ لك عقلك وصحتك واهلك وأولادك وقلمك وحسك

عدنان هوساوي

بالفعل للكتب الورقية رونق خاص وعبير صفحاتها لايمكن أن نجده في الكتب الإلكترونية وان كانت هذه الاخيره لها سمات ومميزات عديدة لسهولة حملها والوصول اليها .
ادام الله قلمك يا أبا ليلى

محمد ساني ابن عبد الكريم أبو عمار

يحق للإبنة الكريمة ليلى أن تتعجب من عشق أبيها للكتب وهي في زمن صار أغلب الآباء غير جدرين بصفة القدوة،
ونحن تعدينا مرحلة التعجب من قلم معتدل يفيض علينا بنعمة الفوائد الجمة من ينابيع الكتب القيمة، إذ يقتني الدرر منها بخبرة الصائغ ونهم التلاميذ،
ومما يدعو إلى التعجب أن بعض أرباب البيوت اتخذوا من الكتب للمجالس ديكورات،
أخي ومعلمي أبو ليلى: ترى لو عادت دكاكين الكتب كما كانت في الصفا أو في باب العمرة بمكة المكرمة، هل نكون من روادها كما كنا؟
هنيئا لنا بأمثالكم رحاب الثقافة والأدب والكلمة الطيبة،
ما قيمة الناس إلا في مبادئهم
لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب.
الشاعر القدير / عبد الرحمن العشماوي

محبكم التلميذ المجتهد أبو عمار محمد ساني ابن عبد الكريم.

تميم

ابو ليلى ماشاء الله تبارك الله القراءه لها دور كبير في تثقيف الانسان وتفتيح مخه وتوسع مداركه وقوة بلاغته
وتئاثيره على من حوله ومحبه الناس له واكبر دليل مقالتك انت جالس بتعطي كل واحد يقرا مقالتك وصفه طبيه بانه يهتم بعقله شويتين بالقرائه واذا عنده اولاد يحببهم في القرائه مو يغصب عليهم اريد اقولك سر كنت كان فيه مجله كويتيه اسمها مجله النهضه وكنت احاول اتحصل على اي عدد منها عن طريق ولد خالي مشكلتي اغلب السنوات الدراسيه ادبلها واذا بدعت دور ثاني واذا جيت بذاكر احط المجله وسط الكتاب عشان ما احد ينتبه واقعد اتصفح فيها بس اسيب المجله وابدا اذاكر الاقي نفسي في سابع نومه

غير معروف

كلام جميل ودقة في اختيار المعاني والمفردات … يبعث في الروح التفائل والامل ……اجمل تحية للكاتب
لك مني كل الود والاحترام …افريكان كوين..

افريكان كوين .

كلام جميل ودقة في اختيار المعاني والمفردات … يبعث في الروح التفائل والامل ……اجمل تحية للكاتب
لك مني كل الود والاحترام …افريكان كوين..

إبراهيم يحيى أبوليلى

الاخوة الاعزاء الافاضل غير معروف وايضا الاخر والاخ العزيز ابوياسر واخونا الغالي المقرب من القلب والذي دائما ما يشحعني ويحفزني على المزيد وضاح واستاذنا متابع والشيخ عبدربه المغربي والاستاذ عدنان هوساوي الكاتب المبدع واستاذنا الفاضل محمد ساني عبد الكريم ابوعمار والاخ العزيز الفكاعي الذي جعلني ابتدم وانا اقرء تعليقة والاخت افريكانو كوين اشكر لكم ولكل من قرأ مقالتي المتواضع فانا بكم امضي واستمر انتم من تعط ني زخما ودفعة الى الامام اشكر لكم تعليقاتكم وارجو ان اكون عند حسن الظن ومهما قلت فلن اوفيكم حقكم فاعذروني ان قصرت في حقكم وحتما انا مقصر ولكن انتم اهل لالتماس الاعذار والشكر موصول للصحيفه الغراء وكل الكادر العامل بها وعلى راسهم استاذنا الفاضل احمد الصحفي رثيس التحرير ودمتم بود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *