كان لـ صحيفة «غران الإلكترونية» شرف الالتقاء بعائلة المرحوم الدكتور عاتق بن غيث البلادي فكان هذا اللقاء مع كل من زوجته السيدة زينب بنت محمد الحازمي، وبناته: ليلى وفاطمة وهند ونورة وهاجر وأروى ومرزوقة وعائشة.
باسم صحيفة غران الإلكترونية نتقدم لكن بالشكر الجزيل على قبول دعوة الصحيفة لإجراء هذا اللقاء، ونود بداية أن نتعرف على أسرة المرحوم الدكتور عاتق بن غيث البلادي؟
فبادرتنا ليلى بالجواب: للوالد رحمة الله عليه زوجتان هما: أم غيث بيضاء السبيعي، وزينب بنت محمد الحازمي، أما الأبناء فهم: غيث رحمه الله كان يعمل مراقب جوي في مطار الملك عبدالعزيز بجدة، سعد؛ عقيد متقاعد من القاعدة البحرية، حسين؛ مهندس خريج أمريكا متقاعد من وزارة الدفاع ولديه مكتب هندسي، سلطان ضابط في القوات الخاصة، ومحمد معلم في مكة المكرمة.
وله من البنات ثماني منهن 6 معلمات، 5 على رأس العمل وإحدى البنات فاطمة خريجة المعهد العلمي الشرعي وطالبة في جامعة الإمام وداعية ومشرفة في مركز شرعي، وهند بكالوريوس تغذية وعلوم أطعمة وليلى ربة منزل.
– نريد منكن سيرة مختصرة لحياة الوالد؟
انتقل الوالد من خليص إلى مكة المكرمة وعمره 12سنة مشيًا على الأقدام، ثم عمل فيها مع الوالد والتحق بحلقات العلم في الحرم المكي الشريف حتى جاء قرار التجنيد في الجيش؛ عندها التحق بالجيش وخدم في المجال العسكري ما يقارب 30 عاماً .. ثم انتقل للطائف وتعرف على فواز السبيعي، وتزوج شقيقته بيضاء السبيعي رحمهم الله جميعًا.
وبقي في الطائف ومنها كان يتنقل بين تبوك والرياض ومنها للأردن؛ حيث حضر أول دورة له في اللغة الإنجليزية على حسابه الخاص، وكان وقتها معه ابنه غيث، وبقي فيها سنتين مدة الدورة، ورزق وقتها بابنه سعد ثم عاد للطائف وفيها رزق بابنه حسين، وبعدها انتقل لتبوك مرة أخرى حيث رزق ببناته ليلى وفاطمة، ثم عاد للطائف مرة أخرى ورزق بسلطان، وبعدها استقر في مكة لسنوات حيث رزق بابنته مرزوقة.. في نفس الفترة تزوج بزوجته الثانية زينب الحازمي فانتقل بها لتبوك حيث رزق بابنته نجاة والتي توفت في عمر أقل من سنة، بعدها انتقل لرابغ وعمل مديرًا عاما لسلاح الحدود وبقي فيها تقريبا سنة ونصف، انتقل بعدها إلى جدة وفيها استمر يزاول مهنة الكتابة ويواصل النشر في كل من مجلة المنهل وجريدة البلاد.
ثم قدم على التقاعد المبكر وانتقل لمكة وبقي هناك حتى رزق ببقية بناته وابنه محمد، وفي هذه الفترة كانت عودة أبنائه حسين والذي كان يدرس الهندسة بأمريكا، وسعد الذي كان يدرس البحرية في فرنسا، وعند رجوعهم طلبوا من الوالد أن يسمح لهم بأخذ والدتهم بيضاء السبيعي لتبقى معهم بجدة، عندها سمح لها لكنه كان ملتزمًا جدًا بالتنقل بين جدة ومكة محافظًا على حقوق الزوجتين والعلاقة بين جميع أبنائه حتى أنه توفى وقد تركنا كعائلة واحدة ومازلنا على ذلك والحمد لله.
– بعد مرور ٨ أعوام على وفاة العلامة والمؤرخ الكبير الدكتور عاتق بن غيث البلادي .. هل من الممكن أن تصفوا لنا شخصية الدكتور عاتق من منظوركن كزوجة وبنات؟
السؤال أثار شجون الزوجة زينب التي بادرت بالجواب قائلة: كان نعم الصديق والونيس.. لقد كان حنونًا و رؤوفاً على زوجاته وأولاده.
أما ليلى فقالت: أبي ومن مثل أبي؟ كان رحمه الله صاحب مبدأ فلا يهمه أن يكون مبدأه يوافق الكل ، كان رحمة الله يستيقظ من نومه الساعه ٣ فجراً ويقضي وقته بين قراءة القرآن والصلاة.
فاطمة قالت عن والدها: كانت شخصيته رحمه الله قوية مؤثرة مع حنان ولطف خاصة مع البنات.. كان لا يخشى في الحق لومة لائم، كان عف اللسان، لا يتكلم بالقبيح ولا يرضى لمجالسيه بذلك، والحق أنا ينطبق علي المثل كل فتاة بأبيها معجبة فلا أرى له مثيل، فأبي رحمه الله نشأ في بيئة بدوية فأخذ أفضل مافيها وعاش في الحضر فأخذ أحسن مافيه.
هند تقول: والدي لم يكن له شبيه.. كان المعلم والتلميذ يعلمنا ويتعلم منا، قضى حياته كلها طلبًا للعلم، ما إن يسمع بمصطلح جديد لا يعرفه “من مستحدثات العصر” حتى يبادر بالبحث والسؤال عنه، كان رغم سنه يتعلم، فلم يكن ذلك الرجل الذي تقدم به العمر ولايعرف بالمستجدات فقد استحدث الفاكس والجوال وهو على كبر.. لكنه حرص على اقتنائهما وتعلم عليهما.
أروي قالت: والدي كان أبًا مثاليًا قياسا بمعايير التربية الحديثة.. كان يقضي معنا قدرًا ليس بالقليل من وقته متفرغًا لسماعنا ومشاركتنا حواراتنا التي لا تنتهي، وكان لذلك كبير الأثر في توجيهي بشكل غير مباشر.
أما هاجر فقالت: كان شخصية مركبة، مزيج بين صلابة وقوة البادية، وبين مرونة وثقافة المدينة.. كان أبًا رائعًا بالرغم من شدته وحزمه.
– ماذا فقدتم بفقده؟
حقا إننا فقدنا بفقده السند والمستشار فقد كان رحمه الله صدراً حنوناً وذا عقل حكيم ورأي سديد.
كان هو حلاوة الحياة .. هو الموجه لأفعالنا هو المنبه لسوء تصرفاتنا.. هو القلب الحنون.. هو الاحتواء بمعنى الكلمة، رحمه الله.
– الدكتور عاتق كان علماً بارزاً في مجال الأنساب والتاريخ فهل يوجد من أبنائه أو بناته من سار على نفس الطريق؟ وهل كان يتمنى أن يكون منهم من يقتفي أثره في هذا المجال؟
أغلبنا ورث عنه رحمه الله عليه الشغف بالأنساب والتاريخ لكن كمجال لا، لأن الوالد رحمه الله لم يتدخل في اختياراتنا لتخصصاتنا لكنه كان رحمه الله حكيم ذا نظرة ثاقبة فكان يشور على كل منا مايراه مناسباً له.
ليلى قالت: لا أخفيك سراً أن لدي ميول للتأليف القصصي ولكنني كسولة في إخراجها للعلن!
هاجر تقول: أرى أن أخي محمد ورث قلمه فخواطره رائعة وأسلوبه في الكتابة جميل.
ـ والدكم كان كثير الترحال فهل كان لهذا أثرًا سلبيًا على بيته وأولاده ؟ وهل كان يصطحب أحداً منكم في رحلاته؟
لم يكن لسفره تأثيراً سلبياً.. بل كانت الأمور تسير كما كانت في وجوده .. فقد كان رحمة الله عليه له هيبته حتى في غيابه؛ لذلك لا يتغير نظام المنزل بغيابه، كما أن الوالدة رحمها الله وخالتي أطال الله عمرها في طاعته كانتا قائمات على المنزل خير قيام وهن أهل لذلك جزاهن الله خيراً عنا، وكان أحياناً يصطحبنا معه في أسفاره.
– هل كان يستعين بأحد من أولاده في نسخ الكتب خاصة حينما كبر سنه؟
ليلى أجابت: نعم كنت أساعده أنا وأخي حسين في النسخ والترتيب، ثم استعان ببعض أخواتي بعد زواجي وسفر حسين لأمريكا.
هند قالت: كنا نكتب له مسودات الكتب على الكمبيوتر وكان يجعل لنا مبلغاً من المال مقابل الأوراق المطبوعة، كان يعلمنا رحمه الله قيمة العمل وكسب اليد والاستقلال منذ الصغر.
– هل كان للشيخ طقوس خاصة للكتابة أو وقت مفضل للتأليف؟
كان رحمة الله عليه يحتفظ بقلم وورقة دائماً فإن تذكر شيء كتبه، وكان يحب الكتابة بعد المغرب عندما كان في العمل ثم بعد التقاعد عكف على الكتابة صباحاً حيث كان يغلق على نفسه الباب بضع ساعات من النهار، والبعض الآخر يقسمه بين قراءة القرآن واستقبال الضيوف والجلوس مع العائلة.
هند قالت: كان والدي -رحمه الله- منظماً جداً ومع أنه لم يكن مقيداً بسجل حضور وانصراف إلا أنه كان يلتزم بمواقيت محددة لدخول مكتبه والانخراط في الكتابة والخروج منه والانصراف عن الكتابة والمراجعة.. وأثناء تواجده في مكتبه كنا نحرص على عدم إزعاجه وهذا ماعودتنا عليه أمي منذ صغرنا، وإذا لزم الأمر فخطر له مايود كتابته استعان بأوراق التقويم .. و كثيرًا ما كان يحدث هذا.
– ترك المرحوم إرثاً تاريخياً عظيم ومكتبة عامرة بالكتب النافعة القيّمة تعتبر منهلاً ومورداً عذبا لكل باحث وطالب علم؛ فماذا فعلتم بها ؟ وهل صحيح أنه أوصى بأن تهدى إلى مكتبة الحرم؟
نعم أوصى بذلك وتم تنفيذ الوصية ولله الحمد، وقبل وفاته بعدة أشهر طلب منا في زيارة خاصة له بأن نأخذ ما نريد من المكتبة.
– هل من الممكن أن ترووا لنا حكايات أو مواقف من حياته؟
عند رغبتنا بالخروج للترفيه عن نفسنا كان يحثنا على حفظ بعض من آيات القرآن.. وإذا لم نحفظ تلغى رحلة ذلك اليوم.
وكان لنا مجلس كل يوم جمعة من بعد صلاة المغرب نجتمع فيه، وكان لنا فيه دروس ومحاضرات.. فمنها حفظنا آية الكرسي وفضائل السور ونحن صغار بالعمر.. وكان يكافئنا بجائزة لأفضل أداء.
وكنا نتسابق بالقراءة ولكنه كان يبادرنا بابتسامته المعهودة ويوجهنا أن نبدأ بالأكبر سناً ثم الأصغر.
كان يعلمنا دائمًا احترام الكبير وتقديمه في كل الأمور حتى أبسطها، فعند جلوسنا حول المائدة، علمنا أن يكون ترتيبنا المعتاد أن تكون الوالدة عن يمينه ثم نتوالى من بعدها بالأكبر حتى يكون أصغرنا على يساره رحمه الله.
– هل هناك موقف مازالت محفورة في الذاكرة؟
فاطمة: نعم هناك مواقف حفرت في ذاكرتي أحدها عندما استشرته في دخول المعهد الشرعي مع انشغالي بالزوج والأبناء وخوفي أن لا أجد الوقت الكافي، فقال لي: سيفتح الله لك ويرزقك بركة؛ فلا أعلى من طلب العلم الشرعي.
وكان رحمه الله دائما يرسل لي في الثلث الأخير رسالة تذكير، ومرة سألته لماذا ينتسب للبلادية رغم قلتهم وحرب أكبر وأشهر قال لي لأنهم لحمتي الأقرب وأفتخر أنني منهم.
أما ليلي فقالت أتذكر موقف لن أنساه وهو عندما توفى ابن لي وعمره أقل من عشرين سنة، فقال لي مقولة لا أنساها، قال: موت هذا الولد أراني منكِ رباطة جاش أسأل الله أن يعوضك عنه يوم القيامة، وقال لنا جميعًا: (شفتوا أن الموت لا يعترف بعمر، فأنا الرجل الكبير مازلت عائشاً والولد الصغير مات فأحسنوا عملكم).
– هل تحتفظون بممتلكات المرحوم التي كان يستخدمها في الكتابة والتدوين؟ والدفاتر وقصاصات الورق.. إلخ؟ وسيارته وأجهزته.. إضافة إلى الشهادات والدروع التذكارية التي حصل عليها؟
نعم نحتفظ بها جميعًا.. فقد كان حريصا على الاحتفاظ بأغراضه الشخصية.. حتى قصاصات المجلات والجرائد ذات المواضيع المهمة.. وجميع مخطوطاته وجوائزة ودروعه والشهادات أيضاً وهي موجودة في منزله بمكة المكرمة.
– هل فكرتم في إنشاء متحف يضم كل هذه الأشياء؟ وكل ماله علاقة بالشيخ؟
هي فكرة رائعة وفكرنا فيها حقا؛ لكن لم يتم التنفيذ لاعتبارات خاصة لكن ربما تنفذ في المستقبل.
– هل كان للمرحوم أمنية يتمناها قبل أن يموت ؟ وهل تحققت ؟
كان يتمنى عند موته الصلاة عليه في الحرم ودفنه في مقابر المعلاة.. وتحقق حلمه.
وتقول فاطمة إحدى أمنيات الوالد رحمة الله عليه وقد بثها لي قبل وفاته بسنوات أن يكون له إان أو ابنه داعية – وقد تحقق هذا بفضل الله- وكان يوصيني بأمي رحمة الله عليها كثيراً، ويوصي بالتمسك بالدين وحفظ القرآن، وآخر أمنياته أن يستمر نشر علمه من بعد وفاته، وهذا ما دأب عليه أولاده حفظهم الله.
– ماذا كانت وصيته لكم؟
كان وصيته الدائمة لنا هي المحافظة على الصلاة وقراءة القرآن وطلب العلم وأن نكون أسرة واحدة مترابطة.
– بعد يومين سوف تقوم اللجنة الثقافية بمحافظة خليص بتكريم المرحوم الدكتور عاتق بن غيث البلادي؛ فماهي الكلمة التي توجهونها لهم بهذه المناسبة؟
الوالد الشيخ الدكتور عاتق بن غيث البلادي هو من أبناء محافظة خليص، وتعريف الجيل الحاضر بالقامات من أبناء المحافظة وعلمائها ورجالاتها من أولويات مثقفي المحافظة والقائمين عليها، ونحن بدورنا نشكر لهم جهودهم وسعيهم لإبراز ذلك.
ونقول لكل من ساهم وشارك في هذا التكريم: شكراً من الأعماق، وعلى رأسهم سعادة محافظ خليص الدكتور فيصل الحازمي، ورئيس وأعضاء اللجنة الثقافية.
ختاماً.. شكراً لكم على هذا اللقاء الجميل.. وهل لكم من كلمة أخيرة؟
ليلى: باسم كافة أفراد عائلة المرحوم عاتق بن غيث البلادي، أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذة نويفعة الصحفي ولصحيفة «غران الإلكترونية» لحرصهم الواضح في تتبع المعلومة الصحيحة من مصادرها، كما نشكرهم على تكريم الوالد وإتاحة الفرصة لنا بالتحدث عنه وتذكر المواقف الجميلة واستعادة ذكراه العطرة.. يعجز الشكر عن شكركم.