في هذه الأيام القلائل سمعنا من الأمور بسبب حوادث الطرقات ما يجعل الإنسان في حيرة من أمره ، فبرغم كمية الإرشادات بل والغرامات والعقوبات فمازال شباب الأمة يضيع من بين يديها وليس لها ذنب في ذلك ، فالدولة أفرغت كل ما في جعبتها من نصائح حرصاً على أبنائها وشبابها الذين تعقد عليهم الآمال ومازالت الطرقات تأخذ كل يوم ضحايا جدد .. شباب في عمر الزهور .. عوائل بأكملها أمهات آباء .. وأنا أناشد هنا الأبناء أن يرفقوا بأمهاتهم وآبائهم فلقد ضجت القلوب ونزفت ألماً ففي الوقت الذي يرون أبنائهم وهم يترعرعون أمام أعينهم وفي كنفهم كأزاهير الرياض يسقونهم من ماء أعينهم كي لا يذبلوا وفي حين يترقبونهم يكبرون أمام أعينهم وهم يأملون ويرجون أن يكونوا عوناً لهم عند كبرهم وفجأة يدوي صوت خبر يزلزل أركان قلوبهم؛ بأن قرة أعينهم وفلذة أكبادهم قد أكله الحديد .. فيا هول ما سمعوا والصدمة الأولى لولا الله الرحيم لقضى معظم الآباء والأمهات حزناً على أبنائهم .
وأنا أتسائل في مرارة .. هل استشعر الابن الذي ركب سيارته وفي ظنه أن أنداده سيصفقون له تشجيعاً وثناءً على أنه سائق ماهر .. هل يهتم الشاب برأي أصدقائه أكثر من حزن أمه أو أبيه حين يصل إليهما خبر تعرضه لحادث ، ألا يستشعر الأبناء كمية الحزن والألم الذي يتسبب فيه بتهور قيادة لا داعي لها ولا طائل منها سوى المزيد والمزيد من الأسى والحزن …
وهناك أمر قد يكون سبباً في هذه المآسي وهو كثرة اللعن من قبل الآباء والأمهات لأبنائهم ، وأنا على يقين تام أنه غير مقصود ولكن ألا توجد ساعات استجابة فلنضع هذا الأمر أيضاً من ضمن الأسباب ولو أنه سبب غير مباشر ، ولكن نحن هنا نبحث عن أي شيء يسبب هذه المآسي التي كبرت كحجم أحزان الأمهات والآباء ، وكلنا يعلم أن السبب الرئيس هو الإهمال وعدم الإنتباه حين القيادة وعدم الالتزام بأنظمة السير ، ورؤيتها على أنها مجرد قيود فقط ، نعم هناك معادلة بسيطة وهي أن السرعة الجنونية + عدم الإنتباه والانشغال أثناء القيادة = ؟ .. فليحاول كل عاقل أن يحل هذه المعادلة البسيطة في قرارة نفسه وليضع أمام عينيه أنه مسأل عن هذه الأرواح المهدرة.
نحن نترحم على الأموات الذين رحلوا في هذه الحوادث ونرجوا لهم المغفرة وسكنى الجنان ، وفي نفس الوقت نقول لمن لم يرعوي احذر فقد تكون سبباً في تيتم أطفال وترميل نساء لا لشيء سوى الأنانية وحب النفس والافتخار أمام أصحاب لو أرادوا لك وبك خيراً لنهوك ونهروك عن قتل نفسك ومن حولك ممن يتشاركون معك في هذه الطرقات .. ألا تخشى أن يسألك الله عن هذه الأرواح التي تسببت في إزهاقها ؟
وقد أكون غير منصف في العنوان فإن الحديد من الجمادات التي لا تعقل ولكن مسيره وقائده عاقل فمن الضحية يا ترى ؟!
هل فعلا كما يصفنا الآخرون أننا لا نحسن استعمال معظم التكنولوجيا الواردة إلينا وهل فعلا ما نحن فيه هو ضريبة الغنى والنعم التي أنعم الله بها علينا ؟ إن كان ما قيل عنا صحيح فعلينا إذن أن نراجع أنفسنا ونجلس معها جلسة محاسبة جادة خالية من المجاملات وتهوين الأمور ، فالقضية ليست هينة بتاتاً وهي تبين مدى تحضرنا أو تخلفنا برغم إدعائنا أننا في القرن الواحد والعشرين ونحن لا نحسن حتى الحفاظ على أرواحنا ، ومعذرة أن قسوت بعض الشيء ولكن الأمر أصبح فوق المجاملات والإبر المهدئة .. نسأل الله أن يلهمنا رشدنا .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب